الاثنين، 22 فبراير 2016

«المسافر الأدبي» علاء الديب… طعم الإبداع في عصر الكتب






كمال القاضي


حين نكتب عن مسيرة الكاتب والناقد علاء الديب، لا بد أن نتذكر إسهامه السينمائي الأميز في فيلم «المومياء» بوصفه مشاركا في صناعته ومترجما لنسخته العربية، وهو أحد أهم مئة فيلم على مستوى العالم، والعمل الأبرز للمخرج شادي عبد السلام.


ومن قراءتنا للفيلم نتبين عمق التجربة الفنية والأدبية للكاتب الذي أضفى ثقافته التاريخية والحضارية الرفيعة على أجواء العمل، فقد اعتنى بترجمة الحوار ترجمة موسوعية بعيدة عن الارتباط الحرفي للجمل، ولكنه ضمن الجماليات في الصورة والأداء التمثيلي والموسيقي، فزاد من حيوية المفردات ودلل على دورها وأبعادها، فكان لذلك وقع إيجابي جاءت نتائجه داعمة للموضوع والرسالة الكلية، فبات الفيلم عالميا بامتياز وصار المخرج رائدا يعتد به ويشار إليه بالبنان.
كان المفتتح السينمائي لعلاء الديب موثقا لنشاطاته الأدبية الأخرى في القصة والرواية. لم يكن مستغربا حين بدا متميزا ولافتا في كل منهما، إذ لا فرق بين إبداعه كمترجم للحوار والصورة على شاشة السينما وبين إبداعه الحي أيضا كروائي وقاص وناقد، ففي كل الأحوال هو المدقق والباحث والبارع في رسم الشخصيات، وصاحب الخبرة والموهبة في صياغة الأحداث.


ينتمي علاء الديب من حيث التكوين الثقافي الجغرافي إلى البيئة نفسها التي انتمى إليها نجيب محفوظ، ابن القاهرة بزخمها وصخبها وسكانها وأطيافها الثقافية والتاريخية وقضاياها الاجتماعية، ولكن ثمة فرقا بين خصوصية التناول الروائي عند محفوظ وتركيزه على مجتمع الحارة وتفاصيلها، وعمومية التناول والتعامل الفني والروائي الإنساني عند الديب، فلم تستحوذ الحارة على كل اهتمامه، بل نظر إلى القاهرة وفلسفتها ونوعية سكانها وقسوتها أحيانا، وامتد إلى خارج محيطها ليصورها كحالة وخلفية جغرافية واجتماعية تشكل عوالم وحكايات ومستويات في قصص وروايات، فقد كتب عام 94 مجموعته القصصية «القاهرة»، كاشفا النقاب عن وجه العاصمة، وموغلا في واقعها اليومي والحياتي والتاريخي، فلم يرها كسائح بزينتها وبهائها، وإنما أبدع في تصويرها من الداخل كموطن ووطن ومسرح لأحداث ومعارك ومدينة ملهمة وموجعة، قاسية وحنونة، مؤنسة ومؤلمة، جاذبة وطاردة، لقد أعمل القص موهبته فرصد التباينات والتناقضات، واستوفى فكرته بعيدا عن الانحيازات وبريق الدهشة وتأثيرات الأمكنة والأزمنة.



وعن مزاجية الإنسان وانفعالاته وطقوسه كتب في عام 1970 مجموعته القصصية الثانية «صباح الجمعة» متحولا عن الشكل الاعتيادي، متخذا مسارا مختلفا في استعمال الرمز وربطه بالفكرة وأدوات التعبير ومنطقة الحدث والصراع وحيثيات الأشخاص ونوعياتهم. وفي «المسافر الأبدي» التي كتبها ونشرت عام 99 يطالعنا بمستوى من الحرفية والتمكن والفلسفة المتراكمة لديه من خبرات السنين، ولعله واصل نضجه وتبلورت تجاربه وأفكاره ونوازعه وبلغ مبلغه من الإنسانية في أعماله «الشيخة والحصان الأجوف»، هاتان المجموعتان القصصيتان اللتان احتوتا خلاصة ما انتهى إليه وجدانه وعقله في كتابة القصة القصيرة، ليكتمل إبداعه بما أضافه في رواياته البديعة «زهرة الليمون» و»أطفال بلا دموع» و»قمر على المستنقع» و«عيون البنفسج» و»أيام وردية»، حيث تتسع الرؤية، فيرى الكاتب مستويات ويعبر مدارات وتختمر في عقله حكمة السنين، فتتمخض عن رؤى واكتشافات جديدة في الذوات الإنسانية ومكنوناتها النفسية وثقافتها، فتتجلى طروحاته في لغته الفريدة وتعدد إنجازاته كمترجم وكاتب مقال من الطراز الأول، فنجده موثقا لأهم الإبداعات العالمية كمسرحية «لعبة النهاية» لصمويل بيكت ومختارات هنري ميل القصصية «امرأة في الثلاثين» و»الطريق إلى الفضيلة» و»وقفة قبل المنحدر» و»عزيزي هنري كيسنجر» وغيرها، ويتعزز ذلك في كتاباته الصحافية في بابه الأشهر «عصير الكتب» في مجلة «صباح الخير»، فيزداد وهجا وتألقا ويبرز كأحد صناع الرأي العام ويحصل عن جدارة على جائزة الدولة التقديرية عام 2001 كناتج موضوعي لتميزه واستحقاق يليق بكاتب كبير في حجمه وعمقه وتأثيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في جريدة القدس العربي بتاريخ 22 فبراير 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق