الأحد، 21 فبراير 2016

أكرم القصاص علاء الديب.. ظلال المعتزل.. مفاتيح وأوراق الطبقة الوسطى



أكرم القصاص

 «صارت الوحدة شرنقة كاملة الغزل، غطاء سلحفاة عجوز، الرأس يخرج ويدخل، يرى الضوء، يسمع الأصوات، يلامس الناس والأشياء، ثم تعود الرقبة البيضاء الرخوة إلى داخل غطاء السلحفاة القديم»هكذا تحدث علاء الديب فى روايته «زهر الليمون»، وهو وصف يبدو متجانسا من طريقته فى الحياة.


مثل حكيم بقى علاء الديب منزويا، من دون عزلة، فاتحا عالمه وأفكاره لكل الأجيال، كرس أدبه وكتاباته، باحثا عن مفاتيح تحولات المجتمع المصرى، لا ينطلق من السياسة وحدها، يرى المفاتيح لدى الطبقة الوسطى طموحاتها وازدواجيتها والمثقف انتهازيته، وطموحه المريض، وآماله الغامضة بأن يصل إلى تحقيق سريع.. تعودنا على تزييف «عملة الكلام».. على قول الشىء ونقيضه، تاجرنا حتى بالإيمان والعقيدة.


 علاء الديب، رحل عن عالمنا قبل يومين ولد عام 1939 وتفتح وعيه مع يوليو 1952. درس القانون واتجه للصحافة والأدب. نهاية الستينيات أصدر أولى مجموعاته القصصية «القاهرة»، تلتها مجموعات أخرى وكتب، و6 روايات «زهرة الليمون، وأحلام وردية، أطفال بلا دموع، وقمر على المستنقع، وعيون البنفسج» التى تمثل ثلاثية، وسيرة عائلة واحدة من وجهات نظر الأب والأم والابن.

 وتستكشف الغرائز والصراعات والطموحات والتناقضات. للطبقة الوسطى التى يصفها بأنها «صاحبة أكبر إنجازات وأفظع جرائم، صاحبة الحل والربط وقليلة الحيلة، صاحبة المثل العليا والقيم المزيفة، الخائنة النبيلة، صانعة العدسات الوحيدة التى أرى فيها الواقع والمصير».

 «وقفة قبل المنحدر.. من أوراق مثقف مصرى»، سيرة ذاتية واجتماعية أحد أهم كتب علاء الديب، سعى فيه لالتقاط أسباب ما جرى فى السنوات من 1952 إلى 1982؟
 من ثورة يوليو بطموحاتها وصعودها وانكسارها وهزائمها، إلى ما بعد اغتيال السادات الذى يصفه علاء الديب بأنه كان تراجيديا، ساعيا للبحث عن طفرات أسست للحاضر وحتى هذه اللحظة. ولا تمثل أعماله مجرد سرد، لكنها محاولة كشف للأساسات بما فيها من صلابة ونشع وتآكل. «الأحداث كثيرة فى كتب التاريخ، وروايات وقصص.

 المهم بالنسبة لى هو ذلك الصوت الذى يقدم نقدا بصيرا مخلصا يستهدف تطوير ضمير الناس، وتحريك وعيهم».. هذا يتحدث علاء الديب فى أوراقه. «عصير الكتب» باب قدم فيه علاء الديب على مدى عقود عشرات الأعمال الأدبية والكتب بعين ناقدة وقلب متفهم، فى مجلة صباح الخير، وصدر فى كتاب بنفس الاسم. وبقى إحدى حبات عقد الكتابة المصنوع بدقة، ساعيا للتعرف على ما وراء الطموحات والأحلام والانكسارات، من جيل كان لكل من مبدعيه صوت ولون.

علاء الديب متفردا، أقرب للحكماء القدامى ممن يسكنون الهضاب لينشروا حكمتهم وعلمهم ومبادئهم بإشعاع، ومن دون الحاح ولا طلب. وظل كشجر يطرح ظلاله وأفكاره، حاملا شعلته بلا ضجيج ولا مزاحمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة اليوم السابع بتاريخ 21 فبراير 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق