الاثنين، 22 فبراير 2016

​رحل «الديب» وبقيت عطوره في «زهر الليمون»






محمد سرساوي
قبل ساعات من إعلان خبر وفاة الأديب الكبير والناقد المتميز علاء الديب، نشر على صفحته الشخصية على فيسبوك، لوحة مرسومة يظهر في داخلها، فلاحة شابة تحمل على كتفيها بندقية، خلفها طابور من النساء يحملن على رؤوسهن جرارا من الفخار، وهناك طيور تحلق فوقهن، فتلقى بعدها تهنئة من أصدقائه بعودته، قبل أن يطمئنهم على اجتيازه أزمته الصحية، ثم يفرض القدر كلمته ويرحل عن عالمنا.

طريقة رحيل علاء الديب تذكرنا بما حدث لعبد الخالق المسيري، بطل روايته «زهر الليمون»، الذي لم يكد يهنأ بعودته من منفاه الاختياري حتى عاد إليه مجددًا، بعد أن تفقد أحوال أصدقائه وعائلته في تلك السنوات التي كان بعيد عنهم.

ربما حاول «الديب» أن يلقي النظرة الأخيرة على أصدقائه قبل أن يرحل عن دنيانا، ويعزينا أنه غادرنا بعد أن أطمأن على ذاكرته التي تحدث عنها في سيرته الذاتية التي حملت عنوان «وقفة قبل المنحدر»، عندما كتب: «ذاكرتي حياتي، أدافع عنها وكأنها حريتي وذاكرتي للوجوه من حولي، لنفسي، للمواقف، لأحداث، المجسم منها، والمسطح، ما يجرى ويسيل الدم، وما يتسلل بطيئا إلى العظم والنخاع، ذاكرتي لأيام والليالي، للشمس والقمر، لتبدل الفصول والأحوال، ذاكرتي للمرض والمحنة، ذاكرتي للضوء وظلام الهاوية وذاكرتي حريتي، عذابي، أتمسك بها وتتمسك بي مع ذاكرتي، أحارب..أخر معاركي وفيها لا أقبل الهزيمة».

ربما كان يبحث عن أحدث الكتب التي صدرت حديثا ليقرأها ثم يعصر ثمارها الناضجة وأفكارها الخصبة في آنية «عصير الكتب»، التي لطالما نهل منها القراء شبابا وشيوخا واستمتع بها مبدعون كبارا استقوا منها زاد وجدانهم وقطرات نموهم، مما جعل هذه الآنية الرائعة أشهر باب في صحافة الثقافية، حيث قدم عبرها شهادات كبرى على إبداعات حقبة ثرية ومثيرة من تاريخ هذا الوطن، غطى عبرها بها مساحات من الأمكنة والأزمنة بعرضه لمئات الأعمال المتفوقة في القصة والرواية والشعر والسياسة والموسيقى والاجتماع والتاريخ. وتناولها بتحليلاته المركزة الممتعة.

ولد علاء الديب عام 1939، وحصل على ليسانس حقوق في جامعة القاهرة، كما اشتغل في الصحافة ومارس الترجمة، ظل الأدب عشقه الأول وهوياته المفضلة، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب.


وأصدر مجموعات قصصية هي القاهرة (1964)، وصباح الجمعة ، المسافر الأبدي (1999» والشيخة، والحصان الأجوف، وتعد روايته زهرة الليمون من أشهر إبداعاته، إلى جانب ثلاثيته (أطفال بلا دموع، قمر على المستنقع، عيون البنفسج)، أما روايته «أيام وردية»، وهي أخر ما صدر له، ويعد كتابه الأثير «وقفة قبل المنحدر» جزءًا من سيرته الذاتية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة أخبار اليوم بتاريخ 22 فبراير 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق