الجمعة، 19 فبراير 2016

علاء الديب.. «مثقف» خارج دوائر الادعاء









  


ميرنا أبو نادي

 «هو خادم عقل الأمة.. المدافع عن خصائصها وهويتها، هو المنتج لغذاء العقل والروح، إذا لم نحمِهِ ونحافظ على كرامته وقيمته، إذا لم نكف على اتهامه بالعمالة والسفسطة وطول اللسان؛ فنحن نترك الناس على المذاود يأكلون التبن ويسمعون الهراء.. ولا يفرقون بين الصدق أو النفاق والكذب.. إذا لم نحترم المثقف ونضعه في مكانه في الصف فإن العربة لا محالة ترجع إلى الخلف".

المثقف الذي عاش أمينا مع يناير ومعجزة يونيو، الآن هو الباحث عن تغيير شامل يبدأ من التعليم.. تعليم العلم، وتعليم السياسة التي هي خدمة الناس والعمل للمستقبل.. هو الذي يقف خارج دوائر الارتزاق من النفاق ومن فتات صراع المصالح، هو من يقف خارج دوائر الادعاء والتسلق والانتهازية، الباحث عن نهضة للأمة، شاملة أساسها الحرية والعدل.. والعلم والعمل».

 كلمات غزلها الروائي المصري الراحل «علاء الديب»، الذي وافته المنية مساء أمس الخميس عن عمر ناهز 77 عامًا، ذلك الأديب الذي قضى حياته متلحفًا بكعوب الكتب ورائحتها الشهية التي وجد فيها من المتعة والانتشاء ما يُغنيه عن الانغماس في وحل المشكلات المجتمعية.

 ولكن لم تزده كتبه إلا لوعة وشبقًا، فكان يعييه دائمًا ويؤرقه هموم المثقف العربي الذي يعاني من الكبت والتهميش في بلادنا، ولا يحصل منها إلا على الكفاف من الاحترام والقليل من التقدير والقدرة على صنع واقع أفضل لشعوب عربية سأمت واقعها.

على بساط مصر القديمة كان مولده عام 1939، فكان لتلك البيوت البسيطة أثرها في نفس "الديب"، حيث تركت فيه بساطتها وابتسامتها رغم تعاقب الأزمنة عليها، وأهدته من أناسها قلوبهم الطيبة، فأسكنته منزل المثقف الخلوق، والمرهف الحس بهموم العامة والبلاد.

 كان "الديب" من القلائل الذين عاشوا مستقلين، فلم تكن للسلطة والنفوذ سطوة على قلبه وعقله، على الرغم من تلحف الكثيرين في مثل موهبته بالمناصب وركضهم المستمر إلى التسليح بصداقة أصحاب الجاه والسلطان، فكان "الديب" ذا حلم مختلف، حيث اتخذ من بيته الصغير في حي المعادي، صومعه له ليكتب ويبشر بالمواهب الجديدة، لم يفقد الأمل يومًا في قدرة المصريين على الذهاب إلى المستقبل الذي يستحقونه.

 وفي سنواته الأخيرة، كان يتابع "الديب" جميع الأحداث السياسية التي تمر بها مصر، ويرى فيها شعلة الأمل التي لطالما حلم بها، فاعتبر ثورة يناير أنها امتداد لثورة 1919، على الرغم من عدم مشاركته فيها بسبب مرضه الذي أطبق على صدره.


 وكان "الديب" من أوائل المحذرين من سرقة الثورة المصرية على يد المتأسلمين، فرأى أن عام حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي هو «النكسة الكبرى»، فيقول: "لم أعرف في حياتي أثقل منه أو أشد ظلامًا ومهانة"، لذا شكلت 30 يونيو للديب نشوة عارمة اجتاحت صدره عقب إسقاط وزير الثقافة آنذاك علاء عبدالعزيز، حيث أثبت لنفسه أن هذا الشعب ومثقفيه قادرين على صنع الفارق الحقيقي متى أرادوا هذا من صميم قلوبهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر في بوابة فيتو بتاريخ 19 فبراير 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق