الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

علاء الديب... مطلوب تغيير الواقع المصري





عودة الروح إلى رجل مات في يونيو ١٩٦٧



الروائي والقاص المصري يرى في «25 يناير» امتداداً لـ «ثورة 1919»، ويؤمن بأنّ العسكر والمتأسلمين لن يسرقوا الثورة من شبابها. صاحب «وقفة قبل المنحدر» الذي يحكي هوائم انقضى زمنها، تعيد «دار الشروق» إصدار أعماله الكاملة قريباً. مناسبة لتقصّي آثار النخب الثقافيّة المصريّة، الآن وهنا




لم تكن 1952، سنة الثورة فحسب. هي السنة التي نال فيها علاء الديب (1939) الحق في الخروج من بيته... وحده. صار عمره ثلاثة عشر عاماً. في جيبه «أبونية» للمترو، وقروش قليلة، وأحلام تسع الكون، ومسؤولية كبيرة: تغيير العالم. لم تكن تلك مسؤولية نظرية، بل ممارسة يعيشها كل لحظة، لكن «ما أقصر ذلك الوقت» يقول. سرعان ما تبدلت الفصول، وتحطمت الأحلام، وهزمت الثورة...

 

لقد رأى علاء الديب. اقترب بقدر لا يجعله بريئاً. اعتبر نفسه مذنباً، ومشاركاً في الخطأ، لكنّه ـــــ مثل بطل روايته «زهر الليمون» ـــــ لم يرتدّ، لم ينكسر، ولم يتعامل مع أجهزة الأمن. انزوى الروائي والقاص المصري على نفسه، حاملاً في داخله قدرة على الحلم بالتغيير، ورغبة في حبّ كبير يهدم الفواصل بين الناس. عندما اكتملت هزيمة الثورة بهزيمة يونيو 67، خطّ اعترافه القاسي في كتاب «وقفة قبل المنحدر ـــــ من أوراق مثقف مصري».


 «سألني شاب عزيز يصدّق كلماتي ويتأمل فيها: «ماذا فعلت في 67 وماذا فعلت بك؟
 قلت من دون تدبر: قتلتني ومن يومها أنا ميت». لم يستطع صاحب «المسافر الأبدي» تجاوز الهزيمة. كان يسأل نفسه دائماً: «كيف صدّقت هذا الوهم؟» وكانت لديه إجابة «ميلودرامية» يبرّر بها كلّ الضياع الذي عاشه بعد النكسة: «إنّني متّ».


هل يمكننا اعتبار «ثورة 25 يناير» بمثابة «عودة الروح» إلى علاء الديب؟ «مقولتي مجازية»
  يردّ ضاحكاً، «فما لجرحٍ بميِّتٍ إيلامُ». يضيف: «بعد النكسة، تخيّلتُ أن مصر دخلت «غرفة العناية المركّزة»، وهو عنوان رواية لعز الدين شكري، تتضمن مسحاً شاملاً وجريئاً لأوضاع مصر قبل الثورة». في حوار سابق معه، قال صاحب «عيون البنفسج» إنّه يريد رسم علم جديد لمصر. كان ذلك بعد حادث احتراق قطار راح ضحيته مئات الفقراء. هكذا، اختار اللواء المصري الجديد شعار علم يحترق، وعظمتين وجمجمة، لكنّه كان يومها متفائلاً، رغم أنّ بطل روايته الأخيرة «أيام ورديّة» يشيّد غرفةً وينسى أن يضع لها نوافذ. «كان لدي إحساس قوي أن النظام سيسقط. لكنني لم أكن أتصور قدرة الشباب على إيقاظ روح خلتها ذبلت وماتت».


حالته الصحية منعته من النزول إلى «ميدان التحرير»، لكنّه كان يتابع ما يحدث باستمرار، من خلال ولديه، وشاشات التلفزيون... يوم «جمعة الغضب» (28 يناير) أدرك وهو يشهد قمع قوات الأمن للثوار على كوبري قصر النيل، أنّ ذلك مشهد تاريخي. «هي الثورة إذاً»، قال يومها. «كانت لحظة خالدة غير مسبوقة ولا قابلة للكسر والانهزام، كان الكل متفّقاً على هدف واحد: إسقاط هذا النظام الفاسد». يرى أنّ روح الثورة زُرعت في الناس، و«لن يستطيع أحد سرقتها، سواء كانت تيارات دينية أو عسكرية». في رأيه تحاول هذه التيارات «أن تلهي الشباب عن هدفهم الرئيسي: تغيير الواقع المصري». ما يجعله متفائلاً، أنّ الثورات ـــــ من وجهة نظره ـــــ «موجات». نحن نعيش الآن «نهاية الموجة الأولى للثورة، لكنّ الموجة الثانية «ستكون أقوى وأكثر حسماً، بعدما اكتسب الشباب الخبرات التي تجنبهم الأخطاء».
 ما الأخطاء التي يقصدها؟
 يجيب: «تناثر قوى شباب الثورة، وتفتتها، ما أفسح المجال لسيطرة المؤسسة العسكرية، والتيارات المتأسلمة».


لكن ماذا عن الأدب، وهل يمكن أن يكون مهداً للثورة؟ 
 «من الصعب أن يتناول الأدب الثورة الآن. هناك حالة سيولة وتبعثر، من الممكن أن نرى بعض القصائد التي تتناول الثورة أو الأدب الشعاراتي، لكنّه ليس أدباً حقيقياً». لا يعوّل الأديب المصري كثيراً على دور المثقفين. في رأيه، أصيب هؤلاء قبل الثورة «بأمراض اليسار المصري التاريخية، أي الانتهازية، والتفكك، والتشرذم، والشللية والبعد عن القواعد والجماهير». هذه الأمراض منعت النخب من أداء دور حقيقي في الثورة.


إن كان جيل الستينيات قد خرج من رحم النكسة، وجيل التسعينيات قد خرج من رحم حرب الخليج، فهل ستتمخّض ثورة «25 يناير» عن جيل جديد في الأدب الفنّ؟ 

 يرى علاء الديب أنّ جيل «25 يناير» متخلص من كل أمراض المثقفين السابقة، ومتصل بالعالم اتصالاً مباشراً. «هذا الجيل الجديد يبحث عن أبجدية جديدة تخصه في الفن والأدب والثقافة».

 نسأل الروائي السبعيني عمّا إذا كانت «ثورة 25 يناير» امتداداً لـ «ثورة يوليو» أم قطيعة معها؟ 

 لا ننتظر الإجابة طويلاً. يقول: «إنّها تنتمي أكثر إلى «ثورة 1919»، تتبنّى من «يوليو» شعبيتها وترفض عسكريتها. فثورة عام 1952، منقسمة إلى فترتين، الأولى انقلاب عسكري، تحول بالضغط الشعبي والزعامة الكاريزمية لعبد الناصر إلى ثورة شعبية».


بعد الثورة، أصبح علاء الديب من رواد فايسبوك. من خلال بروفايله، يتفرج على العالم. فهل يعده مفجّر الثورة؟ 

 يجيب: «على الشباب أن يدركوا أنّ الإنترنت ليس إلا أداةً تكنيكية، لا المجال الوحيد لمعركتهم». في رأيه، من المهم أن تتجمع كل القوى الثورية حول مطالب موحدة، مثل إلغاء المحاكمات العسكرية. لهذا يتطلّع إلى شباب ميدان التحرير، كي يظهروا كلّ ما لديهم من قدرة على العمل. لهذه الأسباب هو متفاءل، لكنه حذر... لا يخشى على الثورة من العسكر ولا المتأسلمين، بل يخشى على منجزاتها من «تشرذم الثوار وتَشتّتهم».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد شعير
مجلة أدب وفنون

العدد ١٥٤٠ الثلاثاء ١٨ تشرين الأول ٢٠١١