حمدي عبد الرحيم
ليلة
الخميس الثامن عشر من فبراير 2016 جاءتني رسالة على هاتفي المحمول من الأستاذة
عصمت قنديل زوج شيخي الكريم علاء الديب لا
تحمل سوى كلمتين :” البقاء لله “.
بعدها
تلقيت اتصالًا من الكاتب الأستاذ حمدي رزق يعزيني ويطمئنني على إجراءات الجنازة ، ثم
طال ليل أسيوط التي أكتب هذه السطور وأنا بها وأُُغلقتْ الدائرة لتنتهي رحلة حب بدأت
منذ أربعين عامًا وتواصلت حتى الرحيل .
لقد ماتت
أمي وأنا بعيد لم أشهد لحظتها الأخيرة وها هو علاء الديب يموت وأنا بعيد لم أشهد لحظته
الأخيرة ولا مراسم العزاء .
كان أول
مقال أقرؤه لعلاء الديب عن حياة الملاكم الأعظم محمد على كلاي ، اذكر بهجة كلماته واذكر
حلاوة تلخيصه واذكر دقة ملاحظاته وأذكر فن اشتباكه مع حياة ملاكم وهو الذي لا ينبذ
شيئًا مقدار نبذه للعنف ، كانت سطور مقاله تقرأ الخفي والعميق في حياة الملاكم الزنجي
في بلد عنصري ، وكيف فرض الزنجي كلمته ليس بعنفه ولكن بفن رياضته .
سأدمن
مقالاته وأتعامل مع اسمه بوصفه واحدًا من عائلتي يقيم في القاهرة ويوم أن أقابله سيسقط
كلُ منا في حضن الآخر ، وسأقبل يده كما أفعل مع كبار عائلتي وسيربت على كتفي ويقبل
رأسي كما يفعلون .
ثم جاء
صباح من أيام الثمانينيات وطرحت فيه دار الهلال روايته العلامة ” زهر الليمون “.
كم مرة
طالعتها ؟ كم مرة جالست حروفها ؟
كم أحببت ” منى المصري ؟
” كم أشفقت على ” عبد الخالق
المسيري ” ؟.
أيامها
قلت لقد حان ميعاد اللقاء ولابد من علاء الديب ولو طال
السفر ولابد من أن يعود الفرع
إلى جذره والجذر إلى أرضه .
لماذا
لم اهجم عليه بحبي وقد أصبحت أقيم في القاهرة بل وأعمل بالصحافة وأتردد كثيرًا على
دار مؤسسة روز اليوسف حيث مكتبه بنفس المبني ؟
للرجل
مهابة ترفعه فوق التطفل والاقتحام ، وبي خجل وضيع يمنعني من أن أصرخ بوجه الذين أحبهم
:” كم أحبكم “.
له وقاره
ولي غروري وفتنتي بالزمن ، إذ أؤمن أن أحبابي من الخالدين وهم على بعد ذارع مني ، أجالسهم
متى أردت أنا !!
وهو لم
يكف لحظة عن مهابته ووقاره وأنا لم أكف عن خجلي وغروري .
كنت قد
أصبحت رئيسًا للقسم الثقافي بجريدة الدستور، و كانت ندوة بأتيليه القاهرة في صيف تسعيني
،كانت ندوة تاريخية ، كان متحدثها الرئيسي علاء الديب وبجواره يجلس الدكتور سيد البحراوي
، تحدثا ما شاء الله لهما أن يتحدثا ، ثم تكلمت وغيري وقبيل انتهاء الندوة وجّه لي
الدكتور البحراوى الكلام :
” تعال يا ولد سلّم على عمك علاء “.
سأذكر
ما حييت تلك اللفتة الكريمة من الدكتور البحراوي صعدت إلى المنصة مرتجفًا فأنا أمام
شيخي وكبير عائلتي احتضنني كما تخيلت ، وربت على كتفي كما أحببت وقبّل رأسي كما اشتهيت
ولكنه منعني من تقبيل يده ، وهمس لي بجملة واحدة :” أنت ولد جدع وأنا أقرأ ما تكتبه
في الدستور”.
لم انم
ليلتي فرحًا ، ولم أر علاء الديب في ندوة بعدها ولم أغفر له أنه منعني من تقبيل يده
.
كان قد
كتب كتابه ” وقفة قبل المنحدر ، تشجعت وكتب عنه مقالًا ، ثم غامرت واتصلت به لأول مرة
فقال :” سمعت بالمقال ولكن لم أجد نسخة من الجريدة “.
ذهبت
إلي بيته في المعادي حاملًا نسخة من الجريدة .
دعاني
بساطة إلى المائدة ، جلست أشاهد الأديب يأكل ، قبل أن يضع لقمة في فمه قال :
” اللهم
بارك لنا في البيت والغيط والزيت “.
هو لم
يعرف أن قلبي لحظتها قد أنشق نصفين ، أنا الآن أمام جدي وتلك كلماته وهذا دعاؤه .
من اللحظة
علاء الديب قريبي قرابة دم وهو من الآن شيخي المتوج ، لقد كتب عن شيوخي لأنه واحد منهم
مات شيخي
وأنا بعيد فصب اللهم عليه رحمتك صبًا وأجرني في مصيبتي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة المقال بتاريخ 19 فبراير 2016
نشرت في جريدة المقال بتاريخ 19 فبراير 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق