الثلاثاء، 23 فبراير 2016

زملاء علاء الديب الحكاؤون.. يحكون ويتذكرون















رانيا رفاعى


كعادتنا حين يرحل رمز من رموز حياتنا الأدبية, طلبنا من بعض زملاء الديب وتلاميذه كلمة وداع له و هويصعد مبتعدا بجسده فى آفاق حياة أخرى بينما يمكث عمله الجليل وكلامه الطيب بيننا فى الأرض. سألناهم عنه, عن الزميل القاص, فوجدناهم جميعا يحملون ذكرى لعلاء الديب الذى قدمهم جميعا للقارئ قبل أن يشتد عودهم إبداعيا ويصنعون مجدهم. حتى من اختلف معه مرة يشهد له بنبله وأمانته بل ورقته فى الخلاف.

رحم الله الناقد المبدع والروائى القاص علاء الديب الذى وجه كثيرا من وقته وطاقته لإبراز زملاء كان من الممكن أن يعدهم كاتب غيره لا يتحلى بذات القدر من النبل والغيرية ،منافسين له. وهاهم لايختلفون جميعا حول مدى جمال علاء الديب الإنسانى والإبداعى.



محمد المخزنجى :
كان محركاً ثقافياً بشَّر بعشرات الكتاب

إنه من المحزن أن يتتابع تساقط فرسان من جيل الستينيات الذى لعب دورا مهما ومتميزا فى الحياة الثقافية المصرية. فخلال شهور قليلة رحل عن عالمنا الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى والأديب والمثقف الكبير جمال الغيطانى.. وها هو علاء الديب يكمل هذا المسلسل الحزين الحتمى والمثير للشجن فى نفس الوقت خاصة ونحن فى مرحلة نحتاج فيها إلى رافعة ثقافية لعلاج عثرات الأمة وازاحة ركام من غياب الذوق الجمالى الذى يزكيه الأدب والفن.


وبالنسبة لعلاء الديب رحمه الله رحمة واسعة ـ كان أهم ما يميزه أنه محرك ثقافى بشَّر بعشرات الكتاب والكاتبات ومئات الكتب القيمة التى كانت تيسر على القراء, حتى المثقفين منهم, فى اختيار كتب لا يندمون على شرائها أو قراءتها .

ويضيف المخزنجى: ثمة أمر خاص يتعلق بعلاء الديب كنت شاهده الشخصى، وهو قدرته على أن يراجع نفسه بنزاهة أخلاقية وحضارية وثقافية بالضرورة.. فقد كتب مرة عن كتاب لى شيئا رأيته غير موضوعى.. لم يكن يتعلق بالكتاب نفسه، ولكن بما أسماه هو ظاهرة. ورددت عليه ردا أرى الآن أنه كان قاسيا وغاضبا وإن لم يخل من المرجعية النقدية. وكان المعتاد فى مثل هذه الأمور ألا يتم نشر الرد.. لكنه لهذه الهبة الأخلاقية نشره كاملا مع مقدمة صغيرة يبدى فيها شيئا من الود تجاه شخصى وتجاه ما أكتب.. وعندما التقينا فيما بعد كانت الأمور صافية صفاء يليق بالصدق الواجب فيمن يعملون فى رحاب الثقافة, التى هى ليست فقط صقل وإرهاف الأعمال الأدبية والفنية، ولكنها بالضرورة صقل وارهاف للنفس والروح الانسانيتين.

واختتم شهادته قائلاً: رحم الله علاء الديب رحمة واسعة وعوضنا عنه وعن كل فرسان الثقافة الراحلين خيرا فى الحاضر والمستقبل.



محمد المنسى قنديل :
كان مجددا فى كل مايكتب

أما الروائى والأديب الدكتور محمد المنسى قنديل، فنعى الراحل قائلا : إنه فقدانه هو خسارة فادحة بمعنى الكلمة للأوساط الثقافية فى مصر والعالم العربى. وقال إنه لن ينسى للفقيد أسلوبه القصصى البديع والمجدد وأعماله المترجمة وكتاباته النقدية الفريدة. فقد كان مجددا بالدرجة الأولى فى كل نوع من أنواع الكتابة تطرق إليه .

وأضاف: لقد كان علاء الديب أديبا ذا ثلاثة أجنحة؛ حيث امتلك القص والنقد والترجمة, فضلا عن دوره التبشيرى واعلائه لقيمة الكتاب واحتضانه المواهب الجديدة.

وعن تقدير الدولة والأوساط الثقافية لقيمة قامة كبيرة مثل الراحل علاء الديب، يقول قنديل: إن الدولة وقفت إلى جانبه متأخرا جدا, بعدما وصلت حالته المرضية إلى مرحلة حرجة. وقال إن هذا هو دائما حال الدولة مع المثقفين؛ فهى كالبوليس فى الأفلام العربية القديمة لا يأتى إلا بعد أن تكون الجريمة وقعت.

ويشهد قنديل أن الراحل لم يكن معنيا بالشهرة والأضواء كآخرين حتى ممن مازالوا يقدمون محاولاتهم الأولى للنشر فى عالم الكتابة ، بل أعماله كانت تتحدث عنه . وعن مؤلفه المهم «وقفة قبل المنحدر»، يقول قنديل إننا مازلنا على حافة المنحدر الذى حذر علاء الديب من السقوط فى هاويته ونبه فيه إلى ضرورة التركيز على محو الأمية.فكيف مثلا نصنع مشروعات تنموية ونهضة حقيقية ومن تقوم هذه المشروعات من أجلهم لا يعرفون قراءة أخبار هذه المشروعات؟!


جار النبى الحلو:

انحاز للإبداع أياً كان صاحبه

أما الروائى جار النبى الحلو، فقد عبر عن حزنه الشديد لرحيل الفقيد . وقال عنه إنه أعطى حياته للقلم والكتابة باخلاص, و كانت كتاباته لها خصوصية شديدة.

وأضاف: من ينسى «عصير الكتب» فى مجلة صباح الخير ثم تجميعها فى كتاب قيم.

وتذكر من تجربته مع الراحل واقعة تدل كم كان موضوعيا وودودا, فقال: لم يكن يعرف أحدنا الآخر بصورة شخصية. لكنى ذهبت للقائه فى مقر مجلة صباح الخير ولم يكن موجودا, فتركت له نسخة من كتاب لي. وكتب عنه رحمه الله فى عصير الكتب برقة بالغة ومودة ظاهرة. وعندما ذهبت مرة أخرى لأراه وأهديه احدى رواياتى لم يكن موجودا أيضا, وأيضا كتب عنها كلاما طيبا فى عموده الشهير برؤية نقدية قيمة دون أن نلتقى أو نتعارف شخصيا ..ويقول الحلو إن هذا إن دل على شيءفهو يدل على الموضوعية وعدم الانحياز لاسم بسبب الشهرة أو الخواطر الشخصية، وإنما هو اانحياز للإبداع أيا كان اسم صاحبه.


وأشار أيضا إلى أن أهم الميزات التى عرف بها الراحل أنه عندما كان يكتب كان حريصا على أن يكون هو هو و لا يصطنع العيش فى أثواب آخرين.

وقال عنه أيضا إنه لم يأخذ المكانة الحقيقية التى يستحقها لأن هذا هو حال الكثير من المبدعين فى بلادنا ولأنه هو أيضا لم يسع أبدا أن يكون نجما تتحدث عنه وعن أعماله الصحف والمجلات.. فقد كان عفيفا بمعنى الكلمة.



إبراهيم عبد المجيد:

كان مختفياً فى إبداعه مكتفيا به

من جانبه يرى الروائى ابراهيم عبد المجيد أن الراحل كان نموذجا عظيما وفريدا فى الحياة الثقافية؛ حيث كان مختفيا فى إبداعاته وترجماته مكتفياً بها فى تقديم نفسه. وكان لا يدخل أية صراعات. فكان مبدعا عزيز النفس مستقلا بذاته. وأشار إلى أنه لم يكن يتكبر على تقديم كاتب شاب مازال حديث السن حتى بعدما عُرف بعصير الكتب و عُرفت به.


وأشار عبد المجيد إلى أنه جمعته بالراحل العديد من الذكريات واللقاءات والمواقف, يذكر منها الآن عندما كتب عنه لأول مرة فى عام 1982.



يوسف القعيد :

قدم لجيلنا شهادة الميلاد

أما الكاتب والروائى يوسف القعيد، فيقول: كواحد من جيل الستينيات, كنت وكنا نستخرج شهادات ميلادنا الإبداعية على يد علاء الديب. فكان العمل الأول يذهب إليه فى صباح الخير ليكتب عنه فى عصير الكتب. ويضيف القعيد: إننا ظلمنا الديب عندما كنا نردد دائما أن عبدالفتاح الجمل هو صاحب الفضل الأول على ظهور جيلنا ، بينما فى الحقيقة كان الديب هو من أكمل هذا الدور من بعده و كان له فيه فضل كبير.


ويرى هو الآخرمدى أهميته ويجب ألا ينسى كتاب وقفة قبل المنحدرالذى عبر فيه الديب عن هموم المثقفين وواقعهم وعمق مشكلاتهم.


وقال: ومما لا يجب أيضاً ألا ننساه للراحل هو أنه كان واحدا من قلائل أبدعوا فى فن كتابة النوفيلا، أوالقصة القصيرة الطويلة. و من أهم من كتبوها إضافة للديب الراحل يحيى حقى.



ويختم القعيد شهادته بقوله: أنا ضد كل من كان يرى الديب ناقدا؛ فهو كان فى حوار دائم مع النصوص التى يقرأها وكان يسلط الضوء على الجميل فيها ويرشحها بقوة للقراء . لكنه لم يحدث أن كتب عن كتاب لم يعجبه، فى حين أن البعض يستخدمون حيلة النقد وسيلة لتصفية الحسابات لا أكثر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر في جريدة الأهرام بتاريخ 23 فبراير 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق