الأربعاء، 7 يناير 2015

أحلام جديدة فى «المنشية»

                                     




 سلوى رشاد




كأنه حلم.
 أن أجد نفسى فى معرض فنى فى شقة غريبة ساحرة، فى قلب فوضى وجنون ميدان المنشية بالاسكندرية.

الجهد البدنى الذى بذلته للصعود إلى الدور الثانى الذى تقع فيه هذه الشقة الخرافية، الدور الثانى من عمارة يرجع تاريخها إلى 1903، هذا الجهد البدنى لم يكن ممكنا بالنسبة ـ لحالتى الصحية
 لولا الشباب الذى ساعدنى ولولا الحماس الإنسانى والغنى الذى تبعثه فى روحى مدينة الأسكندرية.. خاصة فى الشتاء!

المعرض للمصورة الفنانة سلوى رشاد عن رحلة قامت بها إلى المغرب وزارت المدن القديمة، وتجولت فى الجبال الساحرة. سلوى رشاد هى العمود الفنى الذى تقوم عليه مجلة «أمكنة» هى وشريك حياتها الشاعر والكاتب علاء خالد.

معرض الصور زاد من الشعور بأننى أعيش حلما..
الصور كما يقال.. تتكلم.. تهمس.. تتناغم، تنقلك دون عناء إلى عالم آخر.
 مكان وزمان آخر، للصور ملمس، وأكاد أقول رائحة.
الضوء فيها مادة سحرية خاصة يتم منها عالم جديد موضوع فى برواز، والانتقال من «لوحة» إلى أخرى يتم وكأنك تسبح فى ماء من صمت ونور.

 أختارت الفنانة لفظ.. «تقاطعات» لكى تجعله عنوان هذه الرحلة فى الزمان والمكان، وقدمت للمعرض بكلمات قليلة هذا نصها: 

«كثيرا ما تستحضر المدن القديمة فى أذهاننا تساؤلات أولية عن وجودنا، هذا العمق التاريخى الذى تسلل داخلنا.
عن لون الطمى الأحمر.
عن صخب الأطفال فى الأزقة الضيقة .
عن الضوء المتلكئ فوق أسطح وجدران المنازل، عن شهقة المساحات والفضاء الرحب.
عن رائحة الخبز فى الصباحات الطازجة.
عن الصدفة والتوقع. عن هويتنا، وأرواحنا داخل المشهد، بينما أجسادنا تهم بالخروج منه.. فى تقاطعات.


الصور تشرح ما فى هذه الكلمات من غموض.
وجوه الأطفال، والرجال الجالسين على أبواب الجوامع القديمة منذ قرون حيث الزمن محبوس فى مكان آخر. ينطلق حرا فى صور الجبال والصحارى والبحار. تناديك حارات المغرب الضيقة النظيفة تقود إلى عوالم من النشوة والتوقع. تصعد بك الصور إلى أسطح المبانى التى تحكى التاريخ. وجوه البشر صفحات لم يحوها كتاب، شيئ لا يصدق أن ترى كل هذه المعانى والكلمات فى وجه عجوز ساكن.


الصورة عند الفنانة سلوى رشاد عمل فنى مكتمل الشكل والبناء والمضمون معها

ـ ومع بعض الشباب فى مصر الآن يدخل التصوير الفوتوغرافى عالما جديدا من الأهمية والدلالة والدور، للصورة ملمس وصوت ورائحة.
لها موضوع وقضية ومشكلة الكلام. والفهم، يلهث بينما الصورة الفوتوغرافية تقتحم وتفتح عوالم جديدة.

الشقة التى أقيم فيها المعرض حدث فنى آخر.

فى أول عمارة شارع كنيسة دميانة.. الخارج من قلب جفون المنشية إلى جوار قهوة الهندي.
عمارة قديمة أو عريقة مبنية 1903 والشقة فى الدور الثانى الذى يرتفع عن الأرض كأنه الدور الرابع.
الشقة (285م2) كانت مقر شركة بهنا فيلم للانتاج والتوزيع السينمائى التى تأسست 1931 ووضعت تحت الحراسة 1963 بعد أن أنتجت عددا كبيرا من الأفلام الصامتة والناطقة
 (أنشودة الفؤاد أول فيلم مصري.. موضوع خلاف)
ملاك الشركة كانا شقيقين يعملان فى تجارة الدخان.

الأحفاد الآن يحاولون بعث تاريخ الشركة أولا بالمحافظة على الأرشيف الموجود فى غرفة واسعة فى الشقة كأنه نصب تذكارى عريق أو تمثال من الآثار النادرة.

أعيد أحياء المكان بواسطة مهندسين معماريين ذوى حساسية فنية عالية، حيث كشفت جدران الشقة عن الصخور القديمة التى أقيم منها البناء، وتناغم الصخر مع الخشب القديم فى بعث لتاريخ المكان يستدعى حالة فنية تنسيك ما حدث فى البناء المصرى والفن من تدهور فج. وراء هذا الانجاز الفنى جماعة من الشباب السكندرى الذى يعمل فى صمت فى مؤسسة (جدران) للفنون والتنمية.

مؤسسة تأسست بمبادرة شخصية من جماعة من الفنانين المؤمنين بالدور الاجتماعى والانسانى للفن فى خدمة الشارع والناس. وقد تم اشهار مؤسسة جدران كمؤسسة أهلية فى وزارة التضامن الاجتماعى 2003.


عملت المؤسسة فى أعادة الحياة إلى قرية «المكس» قرية الصيادين فى مداخل الاسكندرية، فى الطريق إلى العجمى حيث يعيش صيادو الاسكندرية فى ظروف صحية واجتماعية بالغة السوء. حاولت الجماعة العمل مع الناس لتغير واقعهم وتقديم ما يمكن من رعاية صحية واقتصادية ورعاية الحرف اليدوية والفنية واطلاق روح العمل الجماعي.


تعمل المؤسسة كذلك فى مشاريع مثل «الكابينة» و«الدكان» فى أحياء وسط المدينة (مبنى سينما ريالتو المهدم)، وتشكيل فرق صغيرة للفنون البصرية والموسيقية فى حركات مثل (مدد) و«مسرح المقهي» وهى تتعاون مع حركات شبابية مماثلة فى ايطاليا وغيرها من البلاد المتوسطية..


روح مدينة الأسكندرية تنعش الأمل وتطلق الرغبة فى العمل مع الناس بهم ومعهم ومن أجل مستقبلهم بعيدا عن دهاليز الإدارات الحكومية الخانقة والفاسدة، وبعيدا عن حركات الانفصال والتعالى التى تعمل بها المؤسسات الكبيرة ذات الامكانات الضخمة المهدرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر فى الأهرام بتاريخ 7 يناير 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق