الأربعاء، 28 يناير 2015

التغيير.. و«قلب الرجل»





النافذة هذا الأسبوع لاتفتح على صوت جديد.
لكنى أحاول أن أعيد النظر فى عمل قديم:
 «قلب الرجل» تأليف السيدة «لبيبة هاشم»الصادرة 1904
وقد أعيد إصدارها فى سلسلة رائدات الرواية العربية مع تقديم «للدكتور سيد البحراوي» يشرح فيه:
 لماذا «قلب الرجل» ولماذا لبيبة هاشم مرة أخري.
العمل رواية قصيرة مشوقة، تقع فى نحو 150 صفحة وواحد وعشرين فصلا متسارعة وممتعة.

الحكاية التى ترويها «قلب الرجل» ترجع إلى زمن الفتنة الأهلية القديمة التى مرت بها لبنان 1860.

 لم تسرد الرواية تاريخا ولكنها خلقت عالما تتشابك فيه مصائر عدد من الشخصيات، تدخل فى صراع روائى يجسد الحالة الاجتماعية والنفسية واللغوية، فى وقت حساس وذى دلالة سياسية واجتماعية خاصة فى علاقات هذه المنطقة
(لبنان ـ سوريا ـ مصر) هى الساحة التى تحرك فيها الشخصيات التى تسافر إلى فرنسا وانجلترا وتدخل فى علاقات متشابكة مع القيم والذوق والمعايير الشرقية والغربية.

 الرواية تخرج من قلب هذا الصراع الشرقى الغربي، مشيرة إلى البحث عن شكل روائى يجمع فى خلق فنى بين ثلاثة نماذج: نموذج الرواية الرسمية، والرواية الشعبية، والرواية الأوروبية.

الكاتبة لبيبة هاشم شخصية نادرة، تقدم نموذجا فريدا للمرأة العربية (1880 ـ 1947) ويقال إنها عاشت حتى 1952وتوفيت فى البرازيل، ولدت فى لبنان، وكانت تحمل اسم لبيبة ماضي، بعد الزواج حملت اسم زوجها وصارت لبيبة هاشم، انتقلت إلى مصر 1897، واصدرت واحدة من أهم المجلات النسائية التى صدرت فى مصر:
مجلة (فتاة الشرق) التى ظلت تصدر (1906 إلى 1930)، لها عدد من الأعمال الأدبية مثل «حسناء الجسد تشرين» كما أن لها مقالا مذكورا فى المجلة بعنوان: نور العلم يرفع الحجاب) ثم سافرت مع زوجها إلى البرازيل، وباقى تفاصيل الحياة تحتاج إلى تحقيق وبحث تاريخى واجب.

 تشمل الحركة التى كانت محيطة بحياة لبيبة هاشم، ومجلة فتاة الشرق، وأسماء مثل وردة اليازجي، وعفيفة كرم، وأليس بطرس البستاني، حتى نصل إلى »مى زيادة« التى عرف عن حياتها وأعمالها أقل مما يجب.

المهم أن مقدمة الدكتور سيد البحراوى تضعنا مباشرة أمام القضية الفنية والاجتماعية والسياسية التى يثيرها هذا النص.

عشنا لعقود نناقش مسألة «أول رواية عربية» وظل النقاد كبارهم وصغار الدارسين يكررون حديث عيسى بن هشام وزينب الهيكل« متناسين أن «انتاج الشكل الجمالى أو القصصى ينبغى أن يرى باعتباره حدثا أيديولوجيا بذاته، له وظيفة استدعاء حلول خيالية أو شكلية لتناقضات أجتماعية غير محلولة».

وقد أكد نقاد ومؤرخو الأدب الأوروبى أن «الرواية الأوروبية» جاءت تطويرا للأشكال الشعبية فى عصور أوروبا الوسيطة.

لم يقع الإنتاج الأدبى والرواية خاصة ـ فى التبعية الأوروبية بل وقعت المنطقة كلها أقتصاديا وفكريا وسياسيا، ويرى الدكتور البحراوى أن «التبعية» هى التى أصابت إنتاجنا فى الأغلب بأمراض متنوعة.
أخطرها وأكثرها استمرارا هو حالة الانفصال بين الأنتاج الفكرى والأدبى وبين جموع الناس فى شمال البلاد وجنوبها.

عمل كثير من رواد الفكر بجهد وأمانة وإجتهاد ولكن الحصيلة ظلت مجموعة من الأجتهادات التطبيقية، واستيراد مباشر لنظريات فكر فنى أو اجتماعي، تماما كما أستوردنا كل شيء من الأبرة حتى الكومبيوتر.

قضية التبعية هى قضية هذا الناقد التاريخية فى كتبه ومحاضراته، وتعليمه لدفعات متعاقبة من دارسى الأدب، فكرة المحتوى القومي، وفكرة محتوى الشكل كمحاولة للخروج من أزمة اللغة والأدب، وقد أثير مؤخرا فى مجال التطبيق، أما فى مجال النظرية النقدية وفلسفة الفن فمازالت الأمور على ما هى عليه، خضوعا للمركزية الأوروبية فى الفهم والتذوق والتقييم!!

وهو يقدم فكرة محتوى الشكل كوسيلة من وسائل الخروج من التبعية يكررها نقديا، كما أنه يحاولها فى أعماله الفنية التى امتازت بنوع خاص من التجريب فى الشكل له علاقة بمضمون الأعمال القليلة التى قدمها فى الرواية (ليل مدريد ـ شجرة أمي)، وفى القصة (صباح وشتاء)، و(طرق متقاطعة) وكل أعماله القصصية الجديدة تلمح فيها ظل من هذه المحاولة، وخطوة فى هذا الطريق، لقد درس الفكرة وحاول التمسك بها منذ أن قدم »لؤلؤة المستحيل« لأمل دنقل وفى مجموعة كتبه النقدية الأخيرة التى بدأت بـ»محتوى الشكل فى الرواية« 1996ثم دراساته لمحتوى الشكل فى أعمال، صلاح جاهين، يحيى الطاهر، والطيب صالح.

«قلب الرجل» رواية لبيبة هاشم، ومقدمة البحراوى عن التبعية ومحتوى الشكل، صفحة جديدة تفتح، خاصة بعد ما طرحت ثورة يناير مركزية مسألة التبعية كعائق أساسى نحو التغيير الجديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 نشر فى الأهرام بتاريخ 28 يناير 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق