الأربعاء، 27 أغسطس 2014

ابن الزمن الآتى..



                   

الكاتب والشاعر أشرف الصباغ يمارس الشعر والقصة والصحافة منذ سنوات وهو فى «موسكو»، أو كما يقول هو
«مقيم على الحدود» بين هنا وهناك .

الرواية الجديدة تحمل عنوانا مثيرا«رياح يناير دار العين 2014»
وهى عمل مثير للتأمل والتفكير:
 فى موضوعها الذى هو ثورة يناير الأولى (ثورة الخبز) وما أطلق عليه إعلان السادات انتفاضة الحرامية. 

يقول الصباغ:
 .. ما يحدث الآن فى محطة مصر، أو فى محجر بمرسى مطروح أو فى بار أو مقهى للمثقفين فى وسط القاهرة، شكل من أشكال الحركة تصنعه أجسام تترك وراءها خطوطا فى الزمن الافتراضي.. ويحاول منصور حمزة أن يمسك لسانه فى النقاش مع عثمان فارس حول مصطلح المثقف العضوى وهل «جرامشي» أول من أطلق المصطلح أم أنالمصطلح موجود من قبله.. بعد عشر سنوات ـ فى نهاية الثمانينيات أو بعد عشرين عاما فى نهاية التسعينيات ستتغير الأماكن قليلا وستبدل المواقف كثيرا.. ستحدث أزمات لايعرفها منصور حمزة، ولايعرفها أى من الجالسين الآن خلف الموائد والكئوس ودخان السجائر الكثيف، سواء فى «الكونكورد» أو عند «عم مصطفي» أو حتى فى مقار الأحزاب العلنية أو السرية ستبقى فقط بعض النصوص المهمة التى كتبت وسيموت أصحابها بعد ذلك بسنوات لأسباب مختلفة أو يسافرون إلى الخارج، ولكنهم الآن مازالوا بيننا رغم عدم معرفتنا تماما بهم، أو معرفتهم هم بأنفسهم، فى مساء 17 يناير.. الذى استمر إلى ما بعد ظهر اليوم التالي.. ظهر الانتفاضة التاريخية لملايين البشر التى هبت من أجل رغيف خبز، واتضح انها «انتفاضة حرامية»!

وحتى وسائل اعلام السادات لم تدرك مدى غبائها التاريخى فى وصف ملايين المصريين بـ «الحرامية»، ولم تسأل نفسها السؤال البسيط:
هل يعقل أن يصبح شعب بأكمله بين ليلة وضحاها لصوصا؟
ومن الذى حوله فجأة من شعب انتصر فى معركة منذ سنوات إلى شعب من اللصوص والحرامية؟ وكيف تم ذلك؟!

لعلك أحسست من هذا المقتطف الطويل الذى صدمتك به مدى حيرتى وإعجابى بهذا النص الفنى المحتشد بالافكار، والذى يملك صاحبه قدرات فى الخيال الفنى وفى الأسلوب الشعرى والسردي..
« لمحت فى عينيه نظرة ليست بالجريحة أو القاسية، ولكنها تقع فى المساحة بينهما، حيث الرغبة فى تدمير العالم وتدمير النفس والقضاء بشكل نهائى على الذات، وربما العكس، وطبعت قبلة خفيفة على خدى ثم همست..
 ـ لا تغب عنى طويلا، أنا فى حاجة إليك..

مرة أخرى أهرب من أن اتحدث انا واستشهد بالكاتب لكى يكون هو شاهدا على نفسه: حتى أصل إلى ما أقصد وهو أن الرواية عالم غنى يفيض بالمعانى والامكانات ولكنك تخرج منه فى النهاية (175 صفحة) وأن تقول :

 أليس من واجب الكاتب أن يعيد ترتيب البيت؟
 تسأل نفسك وتسأله لو أنه قريب:
أين يقع البناء فى أولويات العمل الفني؟
وما هى وظيفة: الشكل؟ بالمعنى الكلاسيكى أو بالمعنى الحديث!


أنا بالطبع لا أسأل عن المغزى «والمقصد» والفلسفة؟
ولكنى اسأل أليس على الفنان ان يطمئن أن هناك رسالة وصلت؟
 طبعا لا اريد ان يحرمنى ويحرمك هذا الكلام النظرى من الاستمتاع بالصورة القلمية النادرة التى رسمها الفنان لاحياء القاهرة الشعبية الفقيرة، و«البشير» طفل الشوارع الذى يطارده البوليس والمخبرون وكأنهم يطاردون «عصابة مافايا» ولا صور المقابر التى تعيش فيها السيدة «زلابية» حرامية الفراخ التائبة النبيلة التى تبيع سلسلتها الذهبية (المزيفة) لكى تشترى كفنا لصديق زوجها، ولا ماسح الاحذية الفارس الذى يسرق احذية السكارى لكى يكمل ثمن الكفن، الذى تم الاستغناء عنه بشهامة جيران الميت التى لاتخيب ابدا. المحجر فى مرسى مطروح وقطار الدرجة الثالثة القشاش اماكن خرافية الجمال موحية بخروج إلى عالم جديد شيق تلامسه الرواية ملامسة سحرية ولكنها تنصرف عنه وكأن شيطان الشعر اوربات الفن الساحرات يطاردن الكاتب ويحرمنى القارئ من الاستمتاع الكامل بعمل روائى جديد بمعنى الكلمة.
كان العشق هو المرحلة التى تتبع العاصفة فتتولى ترتيب العالم ووضع الخرائط الجديدة للاماكن الجديدة واطلاق المسميات المناسبة مع الازمنة المناسبة كان الضد للموت والصعود إلى اعلى والتسامى فى بوتقات الفضاء الهلامية الشفافة، كانت تبكى فى اثناء رحلة الصمود وتنتحب وتشهق وتضحك وكنت انصهر فوق صدرها واتبخر واشرب فلا ارتوي.

ليسامحنى النص الجديد وليغفرلى الكاتب الذى يعيش على الحدود فقد خرج النص الهام على الحدود ايضا..
فى وقت نحتاج فيه الى كشف القلب..
 واخيرا قد يفهم ابن الزمن الاتى من النص مالم افهمه انا!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 نشر فى الأهرام بتاريخ 27 أغسطس2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق