الأربعاء، 13 أغسطس 2014

سرير به رمل ناعم




مفاجأة جديدة مدهشة من أرض فلسطين الغالية:
الكاتبة الروائية والشاعرة مايا أبو الحيات وروايتها الجديدة :
« لا أحد يعرف زمرة دمه» زمرة الدم : هى فصلية الدم
وهو عمل ناضج مدهش ومثير فى شكله ومضمونه .
روايه قصيرة ( 140 صفحة ) صادرة فى بيروت عن دار الآداب العريقة .


أما الكاتبة «مايا» فهى شاعرة وروائية وممثلة ، وعاملة فى مؤسسات رعاية الطفولة ، وأيضا كاتبة لقصص أطفال، الفنانة المثقفة من مواليد بيروت 1980 وهى خريجة كلية الهندسة من جامعة النجاح فى نابلس 
لا أحد يعرف «فصيلة» دمه«بعد إذن المؤلفة» روايتها الثانية : بعد رواية «حبات السكر» 2004 وديوانين من الشعر الحديث آخرهم «تلك الابتسامة» ذلك القلب كل تلك الحقائق المفاجئة لنا هنا ، دليل آخر على حالة «اللا تواصل» الفكرى والفنى الذى صار ، هو إلى جانب الدمار الشامل ، من علامات الساعة، إذا لم يتدارك العرب حالهم .


منذ متى ونحن لانسمع ولانرى أى إنتاج فنى أو ثقافى قادم من أغلى وأخصب وأهم أرض عربية ..
حتى المجلات الثقافية توقفت ، الشعر والأغانى ، لم نعد نسمع سوى تلك الأصوات الصاخبة الصارخة .. أو أصداء أصوات قديمة تندرج تحت ذكريات الزمن الجميل .


تقول الفنانة الفلسطينية الشاعرة المثقفة :
لم يعد عندنا مجلات فكرية وثقافية السلطة المحتلة فى وزارة الإعلام أو الثقافة أصابها عطل شامل
التخلف والاختلال هما كل الصورة أى تغيير فى رأس السلطة أو مستوياتها العليا لم يعد مجديا ولايصنع شيئا .
الأمل الوحيد قائم فى حركة الشباب
 ( لا أقول الأطفال ... هم من بقى فيهم الأمل أو الحلم )
 لكى أختم هذا الاستطراد الذى طال بسبب الوجع المضاعف الذى صار يسد الحلق .
 تقول الراوئية الشاعرة فى فقرة من قلب الرواية:
التلفاز يأتى بأخبار الزلازل والفيضانات والثورات .
الموت على الشاشة بالمجان .
 إنها الثورات فى كل مكان ، تونس ، ومصر ، واليمن وسوريا ، أحاول أن أصنع لى موقفا منها فلا أستطيع ، أريد أن أخرج وأعلن ثورة على أحد ما لا أستطيع ، حين حللت الأمر مع صديقتى قالت لى إن الذى تعود الاضطهاد يبرر فعل اضطهاده، ويصبح هو الشكل الأسهل لحياته لكننى أريد أن أتغير .
عندما أرى مشهد عائلة سورية مذبوحة فى التليفزيون، أريد أن أملك الشجاعة لكى أتخذ موقفا .
 ألم يعد هذا ممكنا بعد !!


رواية مايا الجديدة تقطع نياط القلب كما يقال ليست الأرض... التى تضيع وحدها ... ليست القدس أو نابلس أو غزة هم من تبتلعهم وحوش العنصرية والنازية الجديدة والسلاح:
إنه الإنسان، نعم الإنسان العربى الفلسطينى هو الذى يغرق فى بحار بلا قرار من طمس الهوية ، والتشكيك فى القيمة والقدرة وإمكان البقاء


الرواية هى حكاية: «جمانة» وأختها يارا فتاتان لوالد فدائى فلسطينى سابق ، وأم لبنانية من بيروت .
 الأب مات فى أول صفحات الرواية بعد أن بذر فى نفس جمانة الشك فى سلوك أمهاء وأنها خانته مع رجل آخر ...
 أى أنها هى ويارا ليستا أختين .
 تحمل جمانه هذا الشك التراجيدى
منذ صباها حتى بعد أن صارت أما، وعادت تعيش فى القدس بعد الشتات الطويل فى عمان وبيروت وتونس .
 فى القدس بعد أن تزوجت ، تخرج فى محاولة أخيرة لإجراء تحليل DNA لها وشعرة من رأس أختها


المعمل الاسرائيلى للتحاليل يوافق على إجراء التحليل، بعد إخضاعها لتحقيق جنائى ... ولكنها تفاجأ فى النهاية بأن المعمل يطلب مبلغا ضخما من المال لا تحمله.
فتخرج حاملة شكها وفقرها وشتاتها وضياع آخر أمل فى اليقين لكى تدخل الصفحات الأخيرة من الروايةفى دقات مأساوية لقدر عات يحل ما بقى من ذكريات فلسطين :
 تموت القابلة اليونانية التى شهدت ميلاد أطفال القدس ، كما تموت حماتها التى أشهرت إسلامها لكى تتزوج .... وهى تسأل نفسها ومن حولها ، فى أى مقابر سوف تدفن !!


أما ابنه جمانه الصغيرة التى خرجت معها ، ومع والدها فى رحلة بالسيارة «أمام مستوطنة» «مود يعين» نزلت شرين من السيارة بفرح المنتصرة ، ثنت ركبتيها ، وأبعدت مؤخرتها عن قدميها، وهى تعطى فكرة عن مقدرة مايا على تحويل أغرب وأصعب الصور إلى تركيب فنى يدخل فى البناء الروائى المركب والمدهش التى استطاعت أن تصنعه فى روايتها .


هى رواية جميلة مزعجة ، أو كما تقول الشاعرة مايا أبو الحيات إنها كالنوم فى سرير به رمل ناعم .
 لا يعرف هذا الإحساس إلا من جربه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر فى الأهرام بتاريخ 13 أغسطس 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق