السبت، 14 مارس 2015

علاء الديب.. بورتريه لتلك البساطة المعقدة






كتب لي أحد أصدقائي المبدعين: هل قرأت أهرام اليوم؟ وأرسل المادة مع السؤال...
كانت مادة تنطوي علي كل التساؤلات المحورية والجدية التي طُرِحت حول روايتي "رياح يناير"... وكان الناقد علاء الديب يوجه لوما رقيقا، وربما عتابا نقديا حميميا لاكتشافه جملة من الأمور التي تحتاج إلي مراجعات.


لم نكن قد التقينا أو تقاطعنا قبل ذلك. ولكن علاء الديب، الناقد  القارئ، حاضر دائما في العديد من تقاطعاتي مع أصدقائي. وهو أيضا حاضر منذ فتحتُ عيوني علي الكتابة. فالمشهد الإبداعي المصري لا يمكن أن يكتمل إلا بحضوره. وعلاء الديب يقرأ ليعيد إنتاج العمل عبر عملية إبداعية متشابكة ومعقدة لا تنحو نحو إعادة السرد وذكر الجمل والعبارات والحكاوي المذكورة أصلا في العمل الأدبي، بقدر ما تنطوي علي قراءة موازية للعمل من أجل إعادة إنتاجه نقديا...


كتب لي صديق ثان عن بعض تفاصيل تلك المادة المنشورة في الأهرام. طلبت منه هاتف علاء الديب. واتصلت... كان لقاء حميميا دار الحديث فيه عن تفاصيل تفتح كل الطرق الممكنة للقاء من أجل تناول هذه التفاصيل بشكل أكثر تفصيلا واتساعا.. وقال، أرجو أن تمر عليَّ إذا جئت إلي القاهرة...


لقاء بسيط يدور الحديث فيه عن تفاصيل حياتية وإبداعية كثيرة بدون مبالغات واستعراضات ومحاولات للتسلل إلي مناطق قد تنفتح تلقائيا فيما بعد.. حديث تفرَّع إلي الحياة وسط حركة دافئة في مساحة بقدر شرفة بيته والسيدة قرينته تشاركنا الحديث بذكاء وخفة وبساطة تشبه بساطة المتصوفة.. وبين الحين والآخر ينقطع الحديث ليتصل من جهة أخري مع الحلاق الذي كان يشاركنا الحوار ويداه تعملان بخفة أثناء تساقط شعيرات من رأس علاء الديب بفعل حركة المقص الخفيفة والمدربة...


حكينا عن سنوات فائتة وقضايا داخلية وإقليمية ودولية.. وأفاض علاء الديب ببساطة في غاية التعقيد والصعوبة من مخزونه الإبداعي، ومن ذاكرته الحية. هنا تحديدا، وأثناء الحكي، تحول هذا الشخص، الذي كان مجرد اسم كبير قبيل ساعات، إلي كينونة إنسانية من لحم ودم وذكاء فطري معجونة بخفة ظل، لتنفتح تلك المناطق وتصبح عملية التسلل إلي الروح تلقائية وطبيعية وضرورية وبعيدة تماما عن فكرة التلصص و"الاستذكاء" أو "التذاكي" التي عادة ما يتبعها المصريون للتسلل إلي أرواح بعضهم البعض وأرواح الآخرين.
قررت أن أتحدث عن أهمية كتاباته عموما. فقد تجاوزتُ سريعا مرحلة الخجل الخاصة بيَّ أنا شخصيا، وكذلك إمكانية وضعه في مأزق أن ضيفه جاء يزوره لسبب ما يمكن أن يثير خجله هو بنتيجة الإطراء... قررتُ ببساطة أن أبتعد عن منطقة الإطراء لأتحدث في نقاط محددة حول أهمية إصرار علاء الديب علي متابعة الكتاب الجدد والشبان الذين وضعوا أولي أعمالهم في مساحات الاهتمام والنقد. وأن مقالاته النقدية تُثَبِّت جملة من الأسس والقواعد التي تثير اهتمام الكتاب الشبان التي يتناولها باهتمام وجدية بعيدا عن التعليمية والحساب والعقاب والصح والخطأ والجيد والسيئ.


تحدثنا عن عتابه الرقيق، وربما لومه الحذر، لعملية الحكي والسرد في روايتي. ضحكنا، لأننا اتفقنا، واعترفتُ بأن ملاحظاته في الصميم، وأنها ستكون منصة انطلاق في أعمال أخري آتية... وانعطفنا إلي مواضيع أخري، ثم اتفقنا علي زيارات ولقاءات واتصالات أخري. إذ ظهرت موضوعات وتفتحت طاقات تحتاج إلي مواصلة الكلام والمتابعة... 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في أخبار الأدب بتاريخ 14 مارس2014 للكاتب أشرف الصباغ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق