السبت، 1 نوفمبر 2014

أشعار للأمل والثورة

    
                 

مهما كانت صعوبة الأيام التى مرت بنا منذ ثورة يناير 2011 حتى الآن، فإن المجتمع الذى كان فاقداً الأمل فى التغيير، قد تحرك من رقاده الطويل، اختفى إلى الأبد ذلك اليأس من التغيير، وتحرك الكائن الضخم:
 كل الأرض، وكل الشعب، اليأس والصعلكة، والهجرة والتسلق، والفهلوة، صارت كلها عارية، مكشوفة غير صالحة كحلول للمستقبل.

قدم المجتمع تضحيات ضخمة:
 أرقاماً ضخمة غير محصورة ولا يمكن تعويضها من دم شهداء غال، لا يقدر، فى كل طائفة وعمر ومكان، قلق وأمان ضائع.. وخسائر فى الزمن والمال.

أمام كل هذه التضحيات والخسائر والحركة التى تقارب الغليان الاجتماعى الدائم:
 هل قدم الكتاب والمثقفون والفنانون ما يفرضه عليهم دورهم ومسؤوليتهم.. هل قاموا بما تفرضه عليهم وطنيتهم ومسؤوليتهم.
الإجابة بالقطع لا، ولسنا بصدد اتهامهم.. بالعكس!

منذ عشرات السنين، هناك من الكتاب والفنانين من يقدس الثورة ويحلم بها، ويتصور أنه يبشر بها ويدعو لها، وعندما قدم المجتمع ما قدم خلال سنوات أربع(أعرف أنها مدة قصيرة، ولكنها بالقطع كافية لتهيئة الأرض وإلقاء البذور) هل فعل الفنان والمثقف المصرى شيئاً فى هذا الاتجاه. مرة أخرى ــ أظن ــ أن: لا.

فى مجال الإنتاج والمناخ الفنى لم نلمس تفكيكاً لروابط قديمة، ولا تبشيراً بأفكار مشرقة جديدة، تحرك القلوب وتزرع الأمل.
 لا أتهم أجهزة، ولا أدين كيانات عجوزاً.. لكننى أحلم بنوافذ جديدة.. وهواء نقى فى أشرف منزل وأعز دار.

يطلق هذا الحلم، ويستدعى هذا الكلام:
 العمل والإنتاج الفردى الذى يقوم به المثقف الفنان علاء خالد، صاحب دواوين الشعر (6) وصاحب الرواية الفريدة(ألم خفيف..) وكتب النثر النادرة(خطوط الضعف ــ طرف غائب ــ وجوه سكندرية)، وفوق ذلك صاحب المشروع الثقافى المهم: «مجلة أمكنة» التى كان عددها العاشر: هو الجزء الأول من رصد «مسارات الثورة»، الذى قدمناه هنا منذ أسابيع، ومازال مثار نقاش فى الإسكندرية، وفى كل مكان.

لا أقدم هذا الرصد لأننى ـ فقط ــ أرى فى علاء خالد نموذجاً نادراً للفنان المثقف، الذى لم تلوثه سنوات قميئة لا أعرف لها اسماً، ولكنه يحمل إصراراً وقيماً جديدة، تصر دون صخب أو إعلان، على فتح النوافذ وتجديد الهواء.

للمرة الأولى يصدر لعلاء خالد كتاب يصدره واحد من أهم مشروعات النشر التى تشرف عليها الدولة: «مكتبة الأسرة»، الغريب أن علاء كان فى السنوات الأخيرة واحداً من المشرفين على الإصدارات مع الراحل إبراهيم أصلان، ومع ذلك لم يصدر لنفسه أى كتاب، وصدرت كل كتبه أما على نفقته الخاصة رغم محدودية الإمكانيات وتكاليف إصدار المجلة.. علاء خالد يرفض إثارة موضوع دعم الدولة أو عتاب الأجهزة فى كبرياء سكندرى لا غرور فيه، وينشر فى دور نشر خاصة تصدر طبعات محدودة غالية الثمن.

الكتاب الذى أعتبره حدثاً ثقافياً وشعرياً مهماً هو كتاب
(تحت شمس ذاكرة أخرى.. وتصبحين على خير)، منذ زراعة شعر النثر فى الأرض المصرية، وأنا أعانى معاناة شديدة فى فهم أكثر النصوص، وأعانى معاناة خاصة فى تذوق الجيد منها، وأفكر فى انتشاره وتلقيه على مستوى جماهيرى فى حالة تردى الشعر العمودى، وضعف الشعر الحديث وتقلبات شعر العامية.

شعر النثر الذى يقدمه علاء خالد فى المرحلة الأخيرة، شعر جميل سهل.. دمج فى أصالة فنية بين سرد محكم وإيقاع داخلى سرى ساحر، مصور مفهوم مستقيم القامة نبيل المقصد.

يرحل الحزن من مكان لمكان
وفى كل سفر يأخذ لوناً جديداً
فى قصائد لوس أنجلوس:
 الجزء الأول من الديوان المكتوب ما بين يوليو 2009 إلى يناير 2012، عندما كانوا يلتقطون الصور له مصادفة وهو يتفرج على تمثال مارلين مونرو يقول:
كنت أفكر بأن صورتى
سترحل إلى أماكن أخرى عديدة
بلا اسم أو صفات
أو حتى إشارة بسيطة للبلد التى جئت منها
وكنصب تذكارى لجندى مجهول
أما قصيدة «تدريب يومى» فهى تجربة مختزلة حادة:
يجلس يومياً
على حافة المقبرة
ليدرب نفسه
على صورة وحيدة للآخرة
وقصيدة «من بعيد» يأتى فى آخرها ثلاثة أسطر رائعة:
فى مكان ما داخل نفسى
كان هناك نيل يتمدد
وفلاحون يجلسون معى كل مساء

  
أما ديوان «تصبحين على خير» فهو حدث فنى بارع التأثير والجمال يستحق دراسة نقدية وفنية مستقلة، قصيدة واحدة طويلة (من صفحة 89 إلى صفحة 161) قصيدة حب ورثاء وسيرة ذاتية لأم الشاعر العزيزة الراحلة.
 لا ندب ولا بكاء (بكاء صامت) لا ميلودراما هابطة، ولكن أسى إنسانى نبيل كله صدق ووجود فنى خالد:
كنا نقترب من الموت
بسرعة فائقة
لم يعد يسبقنا فى الصف
إلا الملائكة
غيابك الذى خلف
فى حلقى مذاقاً لم أعرفه من قبل
مذاق اليتم
كقش ناعم
أشعل موتك النار
لم أعد أتذكر السنوات الطويلة
لم أعد ابنا فى قاموس الموت
أصبحنا كصديقين
مالت رأساهما خلسة
من التعب
مر عام
ومازلت أقف على باب غرفتك كعاشق قديم
أسترق السمع
لأنفاس متعثرة
فى آخر كل موت حياة/ نعم/ تصبحين على خير


تحت شمس ذاكرة أخرى وتصبحين على خير ــ علاء خالد
ــ شعر ــ مكتبة الأسرة 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر بجريدة المصري اليوم بتاريخ 1 نوفمبر 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق