الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

أمواج خلف زجاج سميك






الكاتبة الأديبة: باسمة العنزى من الكويت تدخل عالم الرواية العربية بروايتها الجديدة القصيرة الممتازة
»حذاء أسود على الرصيف« (دار العين ـ القاهرة 2014)
فى مفاجأة فنية تحمل قدرا كبيرا من الجرأة والصدق والفهم الإنسانى العميق.

باسمة العنزى أديبة وصحفية تحرر رواية ثقافية أسبوعية فى صحيفة »الرأى الكويتية« بعنوان (لغة الأشياء) كما أصدرت
3 مجموعات قصصية ناجحة بعنوان:
 الأشياء، حياة صغيرة خالية من الأحداث، وأخيرا مجموعة بعنوان: يغلق الباب على ضجر.

فى قصصها الجديدة إتقان وإحكام وأسلوب مختصر منجز للمعني، ومحافظ على البناء الفني.


انتقالها إلى شكل الرواية القصيرة ـ التى اعتبرها أكثر الأشكال الأدبية الحديثة فنية وفعالية وتأثيرا ـ دليل على نضج فنى ورغبة فى نقل صورة حية صادقة لدولة الكويت الجديدة، ذات الخصوصية الاجتماعية المتغيرة الغنية:
 ليس بالمال والنفط فقط، ولكن بتراكيب اجتماعية وإنسانية وثقافية حية ومتغيرة:


باحثة عن معنى وعن هوية، وعن حلول إنسانية لواقع يجمع بين أعلى مراحل الرأسمالية، والتراكيب العائلية والقبلية، بالإضافة إلى خصوصية ارتفاع اعداد الوافدين (الوافدين أكثر من المواطنين) كذلك المشكل التابع:
مشكل »البدون« (الذين لا يحملون جنسية) كذلك أحياء الفقر والعشوائيات المجاورة لاحياء ناطحات السحاب الزجاجية، و»مولات« أغلى وأفخر البضائع والملابس والسيارات، وأخيرا وليس آخر القدر الذى يحمله هذا البلد الصغير من قضية العرب الأولى قضية فلسطين التى أعلنت عن خطورتها وجسامتها أثناء حماقة صدام حسين الأخيرة
(عددهم قبل الاحتلال 450 ألفا وعددهم الآن 45 ألفا).


»الوضع كله معقد لا يمكن فهمه« التعبير الفنى الحقيقى فى حاجة إلى فنان إنسان، صاحب بصر وبصيرة لا تحجبه الانتماءات السياسية والحزبية أو المادية، عن ضرورة البحث عن حلول إنسانية تقول باسمة العنزى فى روايتها الغنية بالروح الإنسانية:

»منهم من استطاع تأمين وظيفة له هنا.. الكل يتعاطف معهم لكونهم غير محددى الجنسية، رغم ذلك هنا حاجز لا مرئى بينهم وبين الآخرين ينفر ولا يجذب. يعرف بعضهم بعضا، فهم اما من شعبيات الصليبة أو تيماء، منهم أصدقاء طفولة قادهم القدر للخروج من تلال الخراب والعدمية لهضبة عالم الوظيفة فى المكان الحلم، تاركين البقية فى لجة اللاطمأنينة.


المكان الحلم هو عالم الرواية شركة الاتصالات العالمية الرأسمالية الضخمة ذات المبانى الزجاجية الثلاثة، والألف موظف والفروع المنتشرة فى انحاء العالم. المالك أبوطارق ابن قبيلة صيادى اللؤلؤ فروعها فى المال والسياسة وصاحب مزارع تربية الخيول مديرها فايز خريج الجامعات الأمريكية مدخن السيجار:»روميو وجيوليت«
 يرتدى الملابس التى تحمل توقيع أغلى الماركات صاحب الكاريزما التى لا تقاوم المدير القاسى الحازم الذى طارت إنسانيته مع دخان السيجار الفاخر والموسيقى الكلاسيكية التى تصبح فى أفخر السيارات حتى لا يرى فى النهاية جثمان الموظفة المفصولة التى غادرت الشركة يرى فقط «حذاء أسود قديم على الرصيف».


فى قلب تصاعد أحداث الرواية التى غزلتها الأديبة باسمة العنزى فى 21 فصلا قصيرا متسارعا يصل الخبر لصاحب المؤسسة العملاقة بان »الجوهرة« حصانه المحبوب قد أصيب بمرض مفاجيء أفقده البصر، يطير الرأسمالى الكبير بسيارته، عبر صحراء لم تعد صحراء لكى يبكى أيام حصانه، جوهرته الأصيلة التى لم تعد ترى وليدها وتتخبط فى الجدران


«مهدي» رجل الأمن الذى لا يحمل جنسية واقع حتى رأسه فى غرام خيالى مع نجمة المؤسسة «أمواج» مديرة التنمية البشرية أسطورة السحر والجمال والسيطرة والأنوثة، هو فى القاع وهى نجم لا يطال يرسل إلى بريدها الالكترونى تحت اسم «القرصان» صور أحلامه وألحان عذابه وسجى حياته.


أما صاحبة الصندل الأسود الفقير الذى لا تغيره طوال فصول السنة وفصول الرواية فهى «جهاد» فلسطينية لا تحمل أى جنسية، متزوجة من موظف مصرى مريض عذاب صامت وفقر مستتر وراء زجاج سميك.


الرواية القصيرة تحمل هموم الكويت، لا بل العالم العربي، والأديبة الإنسانية تقدم فنا أدبيا جديدا تكتبه بدقة واختصار وتؤكد ما أحلم به دائما من مستقبل للرواية القصيرة، فى عالم عربى يقرأ قليلا ويعيش أياما مشحونة بالألم والحلم والإمكانات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر فى الأهرام بتاريخ 5 نوفمبر 2014 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق