السبت، 25 أكتوبر 2014

المسيحية والحضارة العربية

    
               

كأن مصر تنتظر الوقت المناسب لكى تحتفل بهذا الرجل، تضعه فى مكانه اللائق به كرجل ثقافة ودين ووطنية: الأب الدكتور جورج شحاتة قنواتى.

 علم رائد من رواد التنوير والسماحة الدينية الراقية، وقبل كل شىء واحد من أهم الباحثين هنا وفى الشرق والغرب فى شأن الحضارة الإسلامية والثقافة العربية.

 أول الغيث قطرة:
 فقد أصدرت مكتبة الأسرة طبعة جديدة- أصبحت فى متناول الناس- من واحد من أهم كتبه:«المسيحية والحضارة العربية»
تعود مكتبة الأسرة فى الفترة الأخيرة للقيام بالدور الذى كان يحلم به صاحب فكرتها الأصلية: الفنان الأديب: «توفيق الحكيم»، الذى قصد من وراء هذا المشروع إدخال أمثال هذه الكتب فى الثقافة اليومية لعامة الشعب، ودفع حلمه إلى نهايته بأن تعود هذه الكتب التى تشكل أعمدة الثقافة المصرية الحديثة إلى أداء دورها، كما يجب أن تعمل وزارة التربية والتعليم لإعادة تدريس أمثال هذه الكتب:(عودة الروح: للحكيم، مستقبل الثقافة فى مصر: لطه حسين، تحت شمس الفكر للحكيم، المسيحية والحضارة العربية لقنواتى، وكتب طبائع الاستبداد، وكتب أحمد أمين وأمين الخولى:
 لا شىء يحرك العقول الراكدة سوى «الكلمة»: هى الحركة، وهى المقاومة.. وفيها الخلاص من الأفق الأسود الذى تفرغت جيوش تجار الدين فى دفعنا إليه).

الأب قنواتى من مواليد الإسكندرية «1905- 28 يناير 1993» درس فى مدارس الفرير بالإسكندرية.

 ثم تخصص فى الصيدلة والتحليل الكيمائى إلى أن سافر ليكمل دراسته فى بلجيكا وفرنسا، وهناك تخصص فى اللاهوت والدراسات الشرقية، وارتبط بـ«الدومينيكان»:
حركة دينية تنويرية، لا تعمل بالتبشير أو التنصير، ولكن بنشر العلم والبحث التاريخى وفى علاقة الأديان بالفكر والثقافة.

 تعاليمها الأساسية واسمها: نسبة إلى القديس دومينك الذى يعتبر من أتباع القديس توما الأكوينى وفكر أرسطو، عاد من البعثة 1944 لكى يساهم فى معهد الدومنيكان: معهد الدراسات الشرقية «الذى يعمل من 1928» والذى ترجم تحت إشراف الأب أنطونين جوسان «1871-1962» أهم كتاب فى تاريخ كنيسة الإسكندرية: للمؤلف الألمانى فان سلب، وأسس الأب قنواتى معهد الدراسات الشرقية، والمكتبة «100 ألف كتاب» فى شارع مصنع الطرابيش بالعباسية، وأخرج مجلة«منوعات معهد الدراسات 1954» كما أسس فى المعهد«بيت الباحثين لدارسى الفكر والباحثين فى التاريخ والفكر والفلسفة الإسلامية والعربية.
 قرأ ودرس هناك كلاً من سلامة موسى، وطه حسين، ونجيب محفوظ، والأهوانى، ومدكور وطبعاً أنيس منصور ولويس عوض، وأسس الأب قنواتى جماعة تجتمع كل شهر باسم إخوان الصفا نسبة إلى إخوان الصفا البغدادية «933م»، كما يقوم المعهد بمراجعة الترجمات التى تصدر عن وزارة الثقافة ووزارة التربية من وإلى الفرنسية أو الإنجليزية، كذلك يجب أن نذكر أن الأب جومييه هو صاحب أول دراسة بالفرنسية عن أدب نجيب محفوظ، وكتابه عن الثلاثية واحد من أعمدة قرار جائزة نوبل، وبذلك صرح الأستاذ نجيب نفسه. بعدنا عن جورج شحاتة قنواتى وتكلمنا عن المكان الذى وهبه حياته عاش وعمل ومات فيه، وكان يقول لتلاميذه الذين يسمح لهم بالبقاء معه فى المكان للدرس، والتفكير والإنتاج كلمة منقوشة فى ذهن كل منهم:
«أحرص على التزود بالمعرفة صباح مساء كل يوم.

 لأنه لا دين بدون ثقافة ولا ثقافة بدون دين».
لم يرفع الأستاذ الأب شعاراً ولم يناد بوحدة عنصرى الأمة
«ليس هناك عنصران» ولم يتاجر فى الإعلام أو الدعاية كان يؤمن ويعمل ويكتب. الكتاب الذى يخرج من تحت يده «وثيقة»، مرجع المراجع فى موضوعه.

 كتاب الشفاء لابن سينا «15 جزءاً». جمع الترجمات اللاتينية، والعبرية، أخرجه مع لجنة شكلها طه حسين، من الدكتور الأهوانى والدكتور مدكور. كان يقول:
 إن جهد الفلاسفة المسلمين محاولة نبيلة لكى يتجاوز الإنسان حدود نفسه، ويحقق رغبته فى الاتحاد بالله، وما الحب الأفلاطونى إلا انعكاس لما تحدث عنه الشعراء والفلاسفة العرب عن الحب العذرى، وقد حقق فى سبيل ذلك كتاب«رسالة العشق» للرئيس ابن سيناء لست مؤهلاً لا فكرياً ولا دينياً لمتابعة إنجازات وأفكار هذه القامة الشامخة المتواضعة الفريدة فى التاريخ المصرى المعاصر.

 إن جهد الأب قنواتى يفوق جهد أكبر الأسماء فى الثقافة العربية المعاصرة، ولا أبالغ إن قلت إن الخدمات التى قدمها للدين الإسلامى تفوق جهد كبار العلماء، الذين يتشدقون بالفقه والكلام الذى أوصل حال الدين إلى ما هو عليه.

كتاب «المسيحية والحضارة العربية» يقول بعد أن يفتتح بآيات من إنجيل لوقا تقول:
 «أحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل قدرتك وكل ذهنك».

يشرع الأب قنواتى فى كشف أن الإيمان واحد والدين واحد كما أن الرب واحد يقول:
عندنا أجمعين «الرب هو الله ليس إله سواه»
«تثنية الاشتراع 53:4» لأننا نحن لا نعرف إلهاً غيره«يهوديت 19:8» إنه الواحد «هو الله الواحد الأحد» كما ورد فى القرآن «1:112/2» وفى كتاب المزامير «22:17» من مثل «الرب إلهنا ساكن الأعالى؟ «5:112» وفى القرآن..«ولم يكن له كفواً أحد» «4:112» فهو الأول والآخر.. أشعيا «4:41» إنى أنا الرب لا أتغير» «ملاخى 6:3»«لأن الله هو القيوم المتين لا يتعب ولا ينسى» أشعيا «82:4»، فهو السرمدى «أشعيا 28:40» الذى يبقى وجهه إلى الأبد لأنه هو الحق والغنى «والحى بالحق» «أرميا 2:4» قرآن «255:2» إلى دهر الدهور رؤيا «18:1» إنه هو «الحى الذى لا يموت» قرآن «58:25» من قبل أن ولدت الجبال وأنشأت الأرض والمسكونة من الأزل إلى الأبد، أنت الله.

الكتاب قسمان: الأول عن نشأة المسيحية، وفيه يدرس تطور الدين ومذاهبه وخلافته فى المسيحية الشرقية، والبلاد العربية مكة، المدينة، الشام، دمشق، فارس وطبعاً الأقباط فى مصر وكنيسة الإسكندرية ثم دراسة موسعة عن الأديرة المسيحية التى تعتبر إضافة مصرية خالصة للدين المسيحى.

القسم الثانى بحث علمى تاريخى فنى عن الشعراء والفلاسفة والأطباء والصيادلة المسيحيين على امتداد أرض العرب والإسلام من الصين حتى أوروبا.. بحث يجمع الرجال والكتب والمراجع والأحداث.. جهد مذهل جبار يقع فى 400 صفحة.

فى ختام الفصل الأول «ص 53» عن أقباط مصر يقول الأب الأستاذ المصرى حتى النخاع:
 «يجدر بنا فى ختام هذا الفصل أن نشير إلى صفحة جميلة، عميقة أبان فيها الدكتور وليم سليمان كيف كان للأرض المصرية وصلتها بالشعب المصرى دور أساسى فى توحيد حياة المصريين، مسلمين كانوا أو مسيحيين يقول الدكتور سليمان:
ثم جاءت المسيحية، وعبر الأقباط المسيحيون عن ارتباطهم بالأرض فى صلواتهم، وخصصوا لكل فصل من فصول السنة الزراعية- الفيضان والزرع والحصاد- صلاة خاصة تتلى فى مواقيتها وتملأ الكنيسة المصرية هذه الصلوات بالأوصاف الخلابة. فالأرض عروس تشتاق إلى عريسها- النيل السعيد.
تستعد له كى يأتى ويلبسها تاجاً جميلاً أخضر تسعد به أول السنة حتى يتحول وليداً مباركاً.

والنيل فى صلوات الكنيسة هو أحد الأنهار الأربعة التى جاء فى سفر التكوين أنها موجودة فى الجنة، وتصلى الكنيسة على مياهه عدة مرات فى السنة.

 لولا أنه يصب فى البحر المالح لما استطاع أحد أن يشربه لشدة حلاوته!
الأب الأستاذ قنواتى: لك فى عنق مصر دين كبير.
وهى تقف الآن على ساقين.
 ستحاول أن ترده: أنت زينة لها، وتاج فوق رؤوسنا جميعاً.


المسيحية والحضارة العربية. الأب جورج قنواتى.
 مكتبة الأسرة. القاهرة 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر في جريدة المصري اليوم بتاريخ 25 اكتوبر 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق