الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

سيدى المرسى .. وقمر إسكندرانى





 «أسماء الشيخ» ..
طبيبة شابة من الإسكندرية من مواليد 1988 قدمت روايتها الجميلة «مقهى سيليني» .. والتى فازت بجائزة 
«لقاء»نجوى بركات 
الذىعقد ربيع 3102 ـ 4102 ـ بالتعاون مع وزارة الثقافة فى البحرين .. كان اللقاء مدرسة حقيقية جمعت شباب كتاب الرواية من كل العالم العربى .. للتدارس والتعارف وتبادل الخبرة والنقاش المفتوح فى فن الرواية .. ودور الكاتب ومسئوليته .. وكان العنوان الفرعى : كيف نكتب الرواية.

نشرت دار الآداب البيروتية رواية: أسماء الشيخ التى تميزت
 أو فازت ـ فى هذا اللقاء الخصب الذى نحب أن نطلع ـ نحن قراء الرواية فى العالم العربى على أوراقه وما دار فيه من مناقشات بين شباب الكَّتاب.

«مقهى سيليني» رواية من الإسكندرية مكانا وروحا ورائحة وتاريخا .. عمل فنى مشغول بدقة وعناية عن تاريخ ومعنى بلد فريد نادر الطابع والخصائص .. تنقلت فيه الكاتبة بحرية وفهم للعلاقة بين المكان والبشر.

سيلينى .. كلمة يونانية تعنى »القمر« .. وهو اسم لمقهى تملكه عائلة ايطالية يقع بجوار منطقة المساجد وأولياء اللَّه الصالحين حول سيدى المرسى أبو العباس .. بكل ما يعنيه للسكندرى (المسلم والمسيحى والأجنبي) من معنى واشعاع روحي.

أحداث الرواية المدروسة بدقة والمتداخلة بمقدرة فنية شابة تعد بخصوبة فى الفكر والخيال:

 تدور الأحداث فى فترة الحرب العالمية الثانية عندما كانت الإسكندرية مسكونة بالعساكر الإنجليز وجيوش روميل وهتلر على الأبواب فى العلمين.

المقهى الذى تحمل الرواية اسمه مملوك لجنيَّة بحر ايطالية جاءت إلى مصر مع زوجها الموسيقى .. عازف الكمان الذى توقف عن العزف لمرض أصابه .. أما الجنيَّة الإيطالية «سيلفيا» .. فلقد ابتلعها البحر وغرقت فى مياهه الغامضة.

صنع هذا المكان «مقهى سيليني» المجاور للمرسى أبو العباس مسرحا ساحرا لرواية خيالية .. تاريخية .. وثائقية .. مشحونة بالعاطفة وعامرة بالحب والانسانية.

حقا: استطاعت الدكتورة الشابة أن تقدم رواية عربية جديدة اجتهدت الكاتبة فى جمع مادتها التاريخية والانسانية.

إلى جانب المقهى وما يقدم فى عالم من خطابات الأم الغارقة إلى العائلة .. وهى خطابات مكتوبة ببراعة مدهشة .. يقوم عالم آخر: عالم «الحجام» القادم من رشيد يحمل تراث الطب الشعبى من حجامة وأعشاب وأحجبة لكى يسكن فى بيت «مسكون أصلا» .. وأنت وأنا ـ نعرف أن تسكن بيتا «مسكونا أصلا»..

بيتا عريقا غامضا بيت شندى يقع بين الإسكندرية الشعبية: ومدينة الشوارع الفاخرة الحديثة .. وبذلك يقع أيضا على مفرق فاصل فى التاريخ.

هناك مع «الحجام» تسكن زوجته »بهجة« الخياطة الجارة الحزينة التى لا ترتدى إلا السواد .. وعبداللَّه ابنه المتخلف عقليا والذى كان حلم حسين «الحجام» أن يرث عنه الحكمة وتراث الطب الشعبى الأهم من كل هؤلاء رقيَّة ابنة الحجام: محرك الرواية وحلم المستقبل والسينما وأحلام الشباب.

رقية مكانها فى القلب .. قلب الأحداث وقلب المكان والزمان هى التى تأخذنا من الحضرة والذكر والحمام الشعبى وعربة الفول إلى عالم السينما وأفلام الريحانى وأنجريد برجمان فى فيلمها الخالد«الدار البيضاء» وتنتقل بنا «رقية» من صالات تدريب الراقصات.. إلى مدافن الصحراء المحيطة بالإسكنديرة لكى تصنع نهاية عصر وبداية عالم جديد.


 تجنبت أن أقدم عرضا لرواية وأحداثها حتى تحتفظ لنفسك بمتعة اكتشاف عالم اسكندرية اسماء الشيخ الخيالية التاريخية الجميلة .. وأن تعيش بنفسك تجربة اكتشاف ليس فقط رواية جديدة .. بل كاتبة روائية مصرية جديدة أزعم أنها ستقدم لنا أعمالا أهم وأكثر تركيزا.

أعتقد إذا كان لى أن أقول كلمات قليلة  عن الرواية ..
فكلماتى تتلخص فى اختلاف الإيقاع والسرعة بين أول الرواية وآخرها .. والأهم أن أن الكاتبة لم تصنع رغم غنى المادة وتنوع الموضوع: مركزا محوريا يشكل قلب الرواية .. لقد أغرت المادة الغنية المؤلفة فلم تصنع بقعة الضوء المحورية .. ولعلها قصدت ذلك فى حارة الحجام ..كانوا يبدأون صباحهم بطبق فول وهم يستمعون إلى أغنيات راديو مقهى اللمة الحلوة .. وتبدأ رقية يومها بعرض خاص لفيلم نجيب الريحانى .. ومع أول ظهور للريحانى كانت رقية تقول:
 ـ صباح الخير يا نجيب.

أما آخر خطاب من جنيَّة البحر الغارقة: سيلفيا .. فتقول فيه
 )أخبرتك من قبل أننى أحب الإسكندرية .. إنها مدينة تصيبك بالحب وبالعجز .. أليس هذا جنونا!(.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر فى الأهرام بتاريخ 12 نوفمبر 2014


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق