السبت، 29 يونيو 2013

جناية السمع والطاعة

            

                 

يوم غير عادى فى حياة مصر، وصلنا إليه ولا نعرف ماذا بعده. الإخوان المسلمون عنصر أساسى فى الصورة، هذا الكتاب : «الإخوان المسلمون : سنوات ما قبل الثورة» لمؤلفه : حسام تمام «1972 – 2011» كأنه رسالة أو وصية يبعث بها من العالم الآخر ذلك المصرى الصعيدى – نافذ البصر والبصيرة – لكى تضىء جنبات هذا اليوم الملبد بالاحتمالات.

هو باحث نادر فى الشأن الإسلامى «الإخوان على الخصوص» رحل قبل أن يكمل الأربعين بعد أن وصل خلال عشرات الكتب والأبحاث إلى مركز الصدارة محاضراً فى جامعات ألمانيا، ومشرفاً على عدد من المجلات والمواقع الإلكترونية فى مصر والعالم العربى.

يقول الكاتب إبراهيم عيسى فى المقدمة الشجية الحزينة التى قدم بها الكتاب بطلب من المؤلف، الذى صدر بعد رحيله :
 «أحتفظ طوال الوقت بهذه المحبة الدفيئة للتيار الإسلامى، ولكنه كان حريصاً على أن يقرأه بعقله لا بقلبه، يحلله ليضيف إليه مصححاً، يفنده ليفيده، ينقده لينقيه.

 صريحاً دون أن يجرح، مستقيماً بلا لف ولا دوران ولا مراوغة لا فى المعنى ولا فى الدلالة».

لذلك، فنحن فى هذا الكتاب أمام صورة فى الداخل :
 تضىء الماضى، وتكشف القوى المتصارعة فى الحاضر، وتلقى الضوء على احتمالات المستقبل.

لا نقف عند الحزب، فهو طرف صناعى ملحق بالجسم الأصلى الكبير، الذى شغل مكاناً مهماً فى التاريخ، فقد وجد بعد أربع سنوات فقط من سقوط الخلافة الإسلامية، وهى ليست مصادفة، ولكنها حقيقة لها دلالة، هوية الجماعة كما يراها حسن البنا هى «دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية».

أما البناء التنظيمى، فهو قائم على :
 الأسرة، ثم الشعبة، ثم الكتائب، ثم المرشد، ويتلخص المنهج الذى صاغه حسن البنا فى المؤتمر الخامس للجماعة فى ستة أهداف :
 الفرد المسلم، الأسرة المسلمة، المجتمع المسلم، ثم الحكومة المسلمة، فالخلافة الإسلامية، وأخيراً يكون الوصول إلى أستاذية العالم.

بقع الضوء المتناثرة هذه تكشف أننا أمام مشروع سيطرة، طموحه بلا حدود، وأنه راغب وقادر- بل من الواجب على كل أفراده – استعمال أى وكل الوسائل للوصول، طبعاً بما لا يخالف شرع الله.

ولا تتبنى الجماعة مذهباً فقهياً بعينه، بل ترفض حتى تبنى مذهب اعتقادى بشكل صريح، رغم أنها سنية المعتقد، ولا تميل للحسم فى القضايا الفكرية إلا مضطرة لكى تظل الممثل الأول وربما الحصرى لفكرة الإسلام الشامل.

 وقد أمدها أحد أعلامها الشيخ سيد سابق بكتاب «فقه السنة» فى محاولة لعدم الوقوف عند اختلافات المذاهب «انشق الشيخ عن الجماعة فيما بعد».

بعد اغتيال الشيخ البنا، ومع وجود ما كان يعرف بالتنظيم الخاص، وخلو الساحة من المشايخ الكبار أمثال محمد الغزالى وعبدالقادر عودة والبهى الخولى، انتقلت السيطرة الفكرية إلى سيد قطب «1954 – 1965» فكان أن ظهرت مفاهيم الحاكمية، والجاهلية وبناء الجيل القرآنى الفريد الذى سيشكل الطليعة المؤمنة التى تقود عملية التغيير نحو هدف الدولة الإسلامية التى تحكم بما أمر الله، مما كان يعنى العمل على إزالة حكم الإنسان.

لقد منح الفكر القطبى للتنظيم رؤية للعالم قوامها نحن وهم، ومنح التنظيم أيديولوجيا خاصة أشبه بالطائفة لا تجمعها سوى رابطة العقيدة وميزة الابتلاء وتعزز خيار العنف وإمكاناته فى سبيل أسلمة الدولة والمجتمع.

فى السجون، حاولت الجماعة التخلص من كثير من آثار المرحلة القطبية رغم النفوذ الخارق الذى يتمتع به الرجل فى نفوس كثير من القادة الحاليين، وكان أن أصدروا الرسالة الشهيرة «دعاة لا قضاة» ولكن بقى تقديس القيادة، والتنظيم، وضرورة الإيمان المطلق بمبدأ «السمع والطاعة».


ينتظم «الأخ» فى أسرة تجمعه بأقرانه، وتربطه بصلات تنظيمية واجتماعية تملأ عليه حياته، بحيث لا يستطيع أن يفلت أو يفكر فى الإفلات، فهو يعيش، ويتعلم، ويصادق، ويتزوج، ويجد فرصة عمل، وينشط سياسياً ودعوياً فى فضاء إخوانى كامل، تحرص الجماعة على بناء مجتمعها وتأسيس مؤسساتها وخلق أنشطتها وفعالياتها الدينية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية التى يمكن أن تغطى حياة أفرادها، بحيث لا يحتاجون الخروج منها، ولا يتبقى لهم على المجتمع إلا إطلالة من ثقب التنظيم.

بعد هزيمة 67 وانحسار المشروع القومى الناصرى بفعل انفتاح السادات، شهدت مرحلة السبعينيات مع انتصار 73 مداً دينياً واسعاً، ونشطت الدعوة فى ظل «الرئيس المؤمن»، ودخلت الجماعات الإسلامية فيما يعرف بالتأسيس الثانى، الذى سيطر عليه عاملان جديدان : المد السلفى الوهابى القادم مع الأموال الضخمة التى حملها الإخوان العائدون بعد الارتفاع الجنونى الذى دخل على أسعار النفط «لقمة، ومؤمن» وعرفت مصر مظاهر جديدة فى الشكل الدينى :
 ملابس الرجال، حجاب النساء، والنقاب، شرائط القرآن الكريم بأصوات غير مصرية. وغابت الفكرة الوطنية عن التنظيم الذى قدم نفسه للنظام باعتباره البديل المعتدل الوحيد الذى ليس غيره بديلاً إذا أراد النظام مواجهة حركات العنف، وتحالفت الجماعة مرة مع الوفد ومرة مع حزب العمل، ودخل على الجماعة امتداد واسع من الأرياف والقرى اختفى تحته الطابع المدينى الذى نشأت فيه الجماعة، وتشكل مكتب الإرشاد فى انتخابات متتالية من نسب محددة لمحافظات الدلتا والصعيد.

 وبقيت الجماعة هى الممثل الأول وربما الحصرى لفكرة الإسلام الشامل، وهو ما أتاح لها مرونة فكرية تسمح بالكثير ما لم تخرج عن السمع والطاعة، وبعد قضية سلسبيل «الشاطر ومالك» سيطرت قوى مادية جديدة. وكانت قضية العمل الاجتماعى العام والعدالة الاجتماعية قد توارت خاصة عندما امتلأت الساحة بالدعاة المستقلين، والقنوات الفضائية الدينية التى أحدثت قدراً غير مسبوق من الضجيج الدينى الفارغ من الفاعلية والمضمون.

دخلت الجماعة إلى ثورة 25 يناير وهى تنظيم مشغول بنفسه وبتمكين أعضائه وتسكينهم اجتماعياً واقتصادياً تحت مظلة ضبابية واسعة من مشروع مصرى قديم بهت بمرور الزمن ومشروع إسلامى فضفاض قائم على توفيقية انتهازية يبقى وحدته بتقديس القيادة، أى قيادة. وقانون لا يرحم بالسمع والطاعة.
كتاب «الإخوان المسلمون : سنوات ما قبل الثورة»
لـ حسام تمام. دار الشروق. 3/20 ط2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في جريدة المصري اليوم بتاريخ 29 يونيو 2013 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق