السبت، 15 يونيو 2013

كلمات موجعة من كتاب جيد


        

أصعب الأيام هى تلك التى لا تستطيع فيها أن ترى المستقبل.
عندما تغيم الرؤيا وترتبك الخيوط.
 تستطيع بعض الكتب أحياناً أن تعيدنى إلى الطريق، أن تفتح أمامى نافذة.

 كذلك فعل معى هذه الأيام كتاب «لعبة الشيطان» للكاتب الأمريكى: روبرت دريفوس.
 للكتاب عناوين فرعية تقول:
كيف ساعدت الولايات المتحدة على إطلاق العنان للأصولية الإسلامية، أول وأكمل بحث فى أخطر أخطاء السياسة الأمريكية على مدى ستين عاماً من الدعم للأصولية الإسلامية.

من المهم أولاً ضبط الكلمات والمصطلحات:
 لا أحد هنا يتحدث عن العقيدة أو عن دين الإسلام، يتحدث الكتاب عن فكر سياسى انتهازى يسعى إلى السيطرة، ويختار أقرب الأفكار إلى عقل وقلب ملايين البشر لكى يستعملها ويحورها ويصبغها باللون الذى يلائم مقاصده.

يحتوى الكتاب على بحر زاخر من المعلومات والحقائق الموثقة التى تراها الآن منشورة فى أغلب المسلسلات التى يكتبها المعارضون للإخوان والمنشقون عليها.
 ويؤكد دريفوس أنه ليس مؤرخاً ولكنه محقق صحفى محترف يوثق معلوماته ويسجل عشرات المقابلات التى أجراها مع الشخصيات التى يتحدث عنها، ومع رجال المخابرات والأجهزة التى تعمل فى الميدان، فى محاولة لكشف الأخطاء التى وقع فيها صناع السياسة الأمريكية فى اعتمادهم على الإسلاميين المتطرفين فى محاولة محاربة الشيوعية والقومية والحركات الوطنية فى العالم الثالث.

يبدأ الكتاب من قلب المحيط الإسلامى:
 من المملكة السعودية:
حيث بدأ من وقت مبكر استعمال أصحاب الفكر الوهابى المتشدد لتكتيل قبائل الجزيرة خلف السلطان السعودى فى أكبر عملية دعائية مازالت مستمرة ومدعومة بلا حدود بالنفوذ البريطانى، ثم بأموال النفط المتدفق، ثم أخيراً بكل سطوة ونفوذ الولايات المتحدة، تكون جيش الإخوان الأول من آل الشيخ الذين ساندوا آل سعود وبلغ عدد القوات ما يزيد على 11 ألفاً تحولوا فيما بعد 1930 إلى «جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر». فى البداية لفق وليم شكسبير «اسم مستعار لموظف بريطانى لقى مصرعه فى صفوف الإخوان المدافعين عن آل سعود» معاهدة تعترف بابن سعود حاكماً مستقلاً لنجد على أن يتعهد بالامتثال للنصائح البريطانية، فى هذه الحروب والمذابح سقط أكثر من 400 ألف قتيل وجريح، وقاموا بـ40 ألف عملية إعدام علنية وأمروا طبقاً لتفسيرهم للشريعة الإسلامية بإجراء 150 ألف عملية بتر، وناشد «حسين» شريف مكة البريطانيين أن يطلبوا من ابن سعود إلغاء وحل ما يطلق عليه الإخوان «الجمعية السياسية التى تلبس عباءة الدين» ولكن البريطانيين رفضوا بكل برود.

فى السعودية رجل تقى جداً اسمه الشيخ محمد سرور صبحان، كان رقيقاً ثم أعتق، هذا الرجل هو الذى يتولى الإشراف على المسائل المالية مع الإخوان المسلمين فى مصر، يقول هيرمان إيليتس، سفير الولايات المتحدة فى مصر ثم السعودية «فى 1948 قبل أشهر قليلة من اغتيال البنا، الذى كان دائم التردد على السعودية باعتبارها المصدر الرئيسى للتمويل، كانت الجماعة وقد مر حوالى عشرين عاماً على تأسيسها قد أصبحت قوة يخشى منها فى مصر، لها ذراعها السرية شبه المسلحة التى ترعى الإرهاب، وتخترق الجيش والمخابرات المصرية ويخشى منها المعارضون، كانت السعودية تمول الإخوان فى الخارج وترفض أى نشاط علنى لها داخل المملكة، أما أنور السادات فقد كان حلقة الوصل بين الضباط الأحرار والإخوان.

 وقد قال السادات فى كتابه «البحث عن الذات»:
«كان حسن البنا يتمتع بفهم عميق للعقيدة، وكان مصرياً خفيف الروح، ما أدهشنى هو الاحترام الذى يبلغ حد التقديس الذى يحظى به القائد فى الجماعة». حاول السادات تدبير لقاء بين حسن البنا والملك ولكنه لم يفلح..ولكن فى عام 1945 تم اللقاء التاريخى بين الرئيس روزفلت رئيس الولايات المتحدة، وبين الملك سعود، هذا اللقاء الذى كان بداية أطول وأعمق علاقة جمعت بين الولايات المتحدة وأى دولة فى العالم كله - ما عدا إسرائيل. عراب هذه العلاقة الأول كان «عبدالله فليبى» وهو شخصية أسطورية تستحق التأمل والدراسة. مالى كبير ومنسق وعميل أكثر من نشيط، أعلن رسمياً إسلامه.. وكان يقول «الآن أصبح فى إمكانى الجمع بين أربع زوجات»، وكان بخيلاً جداً إلى درجة أن العامة كانوا يطلقون عليه عبدالقرش لا عبدالله. وأثناء الحرب العالمية الثانية عقد بين الولايات المتحدة وبريطانيا اتفاق جديد يقول عنه اللورد هاليفاكس سفير بريطانيا «بترول الخليج لكم، ونحن نقتسم بترول العراق والكويت، أما بترول السعودية فهو لنا».

1953 ظهر سعيد رمضان فى البيت الأبيض، وهو من أهم وأخطر شخصيات الإخوان المسلمين «ولد فى شبين الكوم 1926، تزوج السيدة وفاء ابنة حسن البنا، قام فى باكستان وأوروبا بدور إنشائى وتنظيمى خطير، وعمل مع أبوالأعلى المودودى وأنشأ أكثر من منظمة تابعة وحزب فى أوروبا وأمريكا، ويقال عنه أنه كان ساخطاً ميالاً إلى العنف، وأنه كان يحلم بإعادة تنظيم الشرق الأوسط طبقاً للعقيدة الأصولية، وظل عاملاً نشطاً فى سويسرا حتى وفاته 1995». ويورد دريفوس كثيراً من الشهادات والأقوال الموثقة عن علاقته بالأجهزة الأوروبية والأمريكية والباكستانية وامتد نشاطه إلى فلسطين والقدس.

يقول دريفوس «صاغ جمال الدين الأفغانى وبعده محمد عبده وبعدهما رشيد رضا فى مجلة المنار مفهوماً ضبابياً للدولة الإسلامية، ظل يعمل طبقاً له كل التنظيمات المتطرفة، وكان هو لب الخلاف الذى كان بين الإخوان وعبدالناصر، ثم بين حماس والمنظمة الفلسطينية، وكثير من الأمثلة الأخرى التى اختلف فيها الإسلاميون مع الحركات الوطنية وحركات التحرير وكل أنواع اليسار».

أستاذ أسامة بن لادن كان اسمه: عبدالله عزام من مواليد جنين فلسطين، ثم عمل أستاذاً للشريعة فى جامعة الملك سعود، وأصدر فيما بعد مجلة «الجهاد»، ومن هذه المجلة أطلق ما يعرف «بنداء عزام» الذى ظل صداه يتردد فى كل صحارى وجبال أفغانستان وأفريقيا، يقول النداء «الجهاد سيظل فريضة على كل فرد مسلم حتى تتحرر كل الأراضى التى كانت سابقاً إسلامية حتى تعود لنا، ويحكم الإسلام فيها مرة أخرى، أمامنا تحرير: فلسطين وبخارى ولبنان وتشاد وإريتريا والصومال والفلبين وبورما واليمن الجنوبى وطشقند والأندلس».. ومن أجل أن يجعل الأمر مقبولاً لدى المجاهدين المحتملين أعلن عزام أن بن لادن يمنح كل مجاهد 300 دولار شهرياً.

لا توجد حركة إسلامية مهمة بداية من الإخوان فى مصر إلى الجماعة الإسلامية فى باكستان إلى الأصولية الشيعية فى العراق، لا توجد حركة واحدة تنادى بالعدالة الاجتماعية أو الاقتصادية. كلهم يعارضون تدخل الدولة أو ملكيتها كما يعارضون كل قوانين الإصلاح الزراعى وبرامج الخدمات الاجتماعية..
 فى مصر من رحم الإخوان ولدت البنوك الإسلامية ومولتها السعودية ثم انتشرت فى كل أركان الأرض.

هزيمة 67 أطلقت حركة البعث الإسلامى. تحول مصر من عدو للولايات المتحدة إلى أقرب الحلفاء كان عملية تدير الرأس. السبعينيات هو عقد التحول:
 عاد الجهاديون الذين تورطوا فى الإرهاب وقد ارتدوا جلابيب رجال الأعمال، وأقاموا المشاريع التى تنتج أرباحاً وتفرخ فى الوقت نفسه إرهابيين جدداً..
فى ظل انفتاح السادات وتحت رعاية كمال أدهم عاد كل الإخوان، ويقول السيد عمر التلمسانى: معظم سياسة الانفتاح الاقتصادى هو الآن فى يد الإخوان المسلمين الذين كانوا فى المنفى وعادوا الآن إلى مصر.

ليست نهضة دينية، ولا هى نقاء إسلامى أو قيم إسلامية إنسانية عادلة، إنها غلظة وبداوة صحراوية تزحف فى عملية تصحير كبرى ضد كل جهود التحديث والتمدن التى كافح من أجلها الناس خلال قرنين من الزمان.


«لعبة الشيطان». روبرت دريفوس. ترجمة أحمد مصطفى حسونة. دار الثقافة الجديدة. القاهرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في جريدة المصري اليوم بتاريخ 15 يونيو 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق