الاثنين، 7 مارس 2016

علاء الديب سلامًا!






إسحاق يعقوب الشيخ


كنت أتابع  بشغف كتاباته في الصفحة الاخيرة من مجلة صباح الخير في باب (عصير الكتب) وكنت مشدودًا الى ابداعات هذا المبدع المصري المشبوب بفقه جمالية الكلمة وبهجة الحرف وجملة المفردات التي تستهدف أنسنة وعي المتلقي..

علاء الديب هذا الكاتب المبدع بأسلوبه الاخاذ يتألق في عصير افرازات كتب تتنفس رائحة الارض والانسان وتهدي الى الفرح والمعرفة حتى ادمنت كتاباته وتشربت روائح مفرداته المفعمة بزهو الارض ومجد الانسان في مناسم جسمي وخلايا نبضاتي المادية والروحية فرحت ابادر صباح الخير من صفحتها الاخيرة اولا بأول وعندما يغيب (هلال) علاء الذيب في ذلك العدد تغيب البهجة عن نفسي علاء الذيب: زاده ناس الارض ورياح الوطن تعصف في حنايا صدره وهو لا يخلط اوراقه في هذا الخضم الاجتماعي المتلاطم والمتشعب المأهول بالعقد بل يمايز بين ما هو خبيث وبين ما هو طيب وينحاز بلا تردد للمطحونين وانسانية الكادحين «والغلايا» والوفاء للأرض هي النكهة السائدة وعطرها الفاخر الذي يتشذى في كتاباته ويتفشى بين خمائل مفرداته وما عرفته مقلدًا ولا ناقلاً.. بقدر ما هو مبدع ومبتكر! فالنص الادبي الصادق الموصوم بالنزعة الانسانية لا يحمل محليته فقط وإنما عالميته وشموليته فقضايا ومعاناة البشرية واحدة وإن اختلفت في تفاصيلها فهي في خطوطها العامة وفي سببيتها وهي تواجه في طبيعة تقاطبها وتجاذبها وتلامسها وفي لغة عند علاء الذيب متدفقة تتصبب ألمًا وتسيل عرقًا وتنزف دمًا وتدين بشكل قاطع المجتمع.. 

المسؤول الرئيسي عن كل هذه المآسي والاحباطات التي تمتص أجمل شيء في الانسان وتشوه حياته وتفتري على قيمه الاخلاقية وتمسخ روح الخير وحب المعرفة فيه!

وكان الراحل علاء الديب يشق طريقه بصمت وثقة عالم الابداع الادبي والثقافي بتعابير ممتعة وصياغات أدبية مميزة تدلل على ملكته وأصالته وقدرته الخلاقة في ملامسة طيف الروح ووشوشة القلب ورج موجات النفس لدى الانسان. 

كتب لي ذات مرة في احد رسائله يقول: أتمسك طبعا بالحياة في اشيائها البسيطة وأقول لنفسي لا أحد يستطيع ان يأخذ مني هذا، ولكن هل هي حقًا ملكي؟ وقد رددت عليه حينها قائلاً: انك بهذا تكرس شرعية ملكيتك للحياة لكونك انسانًا كائنًا حيا.. وروعتك انك تتمسك بأشيائها البسيطة فكيف هي بقضها وقضيها.. الحياة من حق الاحياء وملك ازلي لهم فأنت يا صديقي علاء من معشر الكتاب والادباء الذين يملكون عن حق ناصية جملة الارادة الطيبة ويعطون مصداقية مدلولها الانساني هكذا انت في عيون الاقربين والابعدين يتلمس هذا عابر السبيل والمتلقي في خضم عطاءات نصوصك الادبية وقطعك الفكري المسكون بالنزعات الانسانية وتفاعلاتها.. 

أجل يا صاحبي الحياة بمرها وحلوها بانتصاراتها وانتكاساتها.. هي ملكك وأنت منوط بالدفاع عنها وحمايتها من اللصوص والمتطاولين الذين سطوا على جمالها والذين يحولونها الى مناحات ومآتم واحداث الحياة هي ملكي وملكك وملك كل انسان على هذه الارض في سكونها وفي مساراتها وتناقضاتها وانعطافات تعقيداتها المدموغة بخدر غيب الماورائية وتطواف شياطين النهار ولصوص الليل على السواء وعلى كل من اعطاه الله بصيرة سواء السبيل ان يعمل فيها من اجل مجد الانسان وأمله وحلمه ورخائه في الحاضر والمستقبل الى ان ينضب زيت سراجه ويرحل.

هنا يفقد الانسان ملكيته للحياة ماديًا.. أما روحيًا وأخلاقيًا فتبقى متألقة تحاكي مجد الانسان وانتصاراته على مدى الدهر!

هذا ما كان بيني وبين هذا الصديق الجميل (علاء الديب) في التسعينيات وهو مدرج في مؤلفي (مطارحات فكرية) ولقد نضب زيت السراج وغادرنا علاء الديب الحياة الا ان مشاعله الفكرية والادبية ستبقى حارسًا أمينًا على ضمير الثقافة التنويرية في مصر والخليج وكل دول العرب!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة الأيام البحرينية بتاريخ 7 مارس 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق