الجمعة، 4 مارس 2016

علاء الديب... المسافر الأبدي في دنيا الإبداع




 إسلام أنور 
رغم مرضه الشديد الذي لازمه منذ أكثر من عشر سنوات... لم يتوقف عن العمل الدؤوب في ظل واقع متغير ومضطرب، يحكمه منطق المصلحة لا فلسفة الأخلاق، من النادر أن تجد شخصا صادقا وزاهدا ينتصر للقيمة والأخلاق ويرفض أن يقايضهم بمال أو نفوذ.

هكذا عاش الأديب المصري الكبير علاء الديب، متسلحا بالصدق وراضيا بمحبة الناس، وهكذا رحل عن دنيانا، قبل أيام قليلة، ولكنه يبقى مع أعماله. على مدار سنوات طويلة ظل منزله فيللا «حب الله» في حي المعادي، «جنوب القاهرة»، مفتوحا لمريديه وأصدقائه وللغرباء أيضا من الذين اطلعوا على أعماله وفُتنوا بها، ورغم مرضه الشديد الذي لازمه منذ أكثر من عشر سنوات، فإنه لم يتوقف عن العمل الدؤوب رغم ما يسببه له من إرهاق، وكان حريصا على متابعة أعمال الكُتّاب الشباب والكتابة عنها في نافذته الشهيرة «عصير الكتب». لم يكتف صاحب «وقفة قبل المنحدر» بدعم المبدعين الشباب بالكتابة عن أعمالهم فقط، بل كان حريصا على التواصل معهم ودعوتهم لزيارته في منزله.

ورغم ما يحمله من هموم وأوجاع وأحلام مجهضة عاشها جيله، فإنه لم يفقد الأمل ولم تكسره الهزائم.

وظل مُحرّضا على الحياة عبر كتابته: «تعلمت أن أحب الكلمات. تعلمت ألا أرددها من دون فهم أو إدراك. فهم الكلمات ومحبتها كان هو المفتاح السحري الذي يقودني إلى بهجة العقل ونعيم الفهم والتفكير». لم يترك علاء الديب، عددا كبيرا من الأعمال، فلم يكتب سوى ثلاث مجموعات قصصية: «صباح الجمعة، المسافر الأبدي، والشيخة والحصان الأجوف»، و6 روايات قصيرة: «القاهرة، وزهر الليمون، وأطفال بلا دموع، وقمر على المستنقع، وعيون البنفسج، وأيام وردية»، إضافة لكتابه الشهير «وقفة قبل المنحدر» الذي يُعد سيرة ذاتية لجيل كامل وليس لشخصه فقط، ورغم هذا الإنتاج القليل كمًّا، لكنها ترك أثرا كبيرا لايزال باقيا حتى الآن، في إحدى زياراتي له سألته عن سر شغفه بكتابة الروايات القصيرة وإخلاصه لهذا النوع من الكتابة الأدبية النادرة في الوطن العربي.. فقال: «الكتابة بهذا الشكل لم تكن اختيارًا، لكن شكل الكتابة تطور حتي وصل إلى ذلك، لقد خرجت للكتابة من داخل العمل الصحافي، وكان الشكل الملائم للنشر في الصحافة، هو ذلك الشكل، ثم تطورت المسألة وأصبح اختيارا متعمدا، لأني رأيت أن هذا الشكل يضمن أكبر قدر من التواصل مع القارئ، ويعطيني الفنية والإحكام اللذين تمتاز بهما القصة القصيرة، مع الرحابة والاتساع اللذين يميزان عالم الرواية، لذلك رأيت أن الرواية القصيرة لها قدرة الجمع بين هذه المميزات في قالب واحد».

وعلى مدار ثلاثة عقود بدءًا من أواخر الستينيات ووصولاً لتسعينيات القرن الماضي، تدور معظم كتابات صاحب «عيون البنفسج». ويشترك معظم أبطاله كعبدالخالق المسيري في «زهر الليمون»، وأمين الألفي في «أيام وردية» في شعوره بالتيه والضياع الممتد معه منذ نكسة 1976، وزاد بصورة مفجعة مع الانفتاح الاقتصادي وتوقيع اتفاقية السلام مع العدو الصهيوني في فترة حكم السادات. سألته أيضا عن مدى تأثير النكسة على أبطاله وعلى حياتنا بشكل عام حتى الآن.


عمل علاء الديب في السنوات الماضية على إكمال جزء ثان من كتاب «وقفة قبل المنحدر»، وكان ينوي أن يكتب عن التغيرات التي حدثت في الثلاثين عاما الأخيرة منذ العام 1980 حتى الآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر في موقع الراى بتاريخ 4 مارس 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق