الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

ركن صغير في غرفة علاء الديب








إذا أردت أن ترى الحياة في غرفة فهي ولا شك غرفة علاء الديب في بيته بالمعادي.


مكتبة متوسطة الحجم (لاشك أنها لا تضم إلا القليل مما يقتنيه هذا الرجل). كنبة متوسطة الحجم يقولون عنها في البيئات الشعبية "اسطنبولي" أو بـ"صحارة". مكتب صغير. وكرسي خشبي. "فوتيه" للراحة وأوراق كثيرة منظمة. أقلام رخيصة الثمن مريحة في الكتابة. السقف العالي يعطي براحا في التأمل والتفكير. أرضية خشبية و"كليمات" مريحة للعين.


هدوء الحي العتيق يتناسب مع شخصية الرجل. فهو يتحدث بهدوء وسكينة، تجعلك منصتا مخلصا في الإنصات.


لا تملك إلا أن تحترمه وتقدره أديبا كبيرا وناقدًا عظيمًا، ولا تملك إلا أن توقره وتعشقه إنسانا محترمًا ونفسا طيبة. هو بالتأكيد ليس نجما من نجوم المؤتمرات الثقافية، ولم يكن عضوًا في الحظيرة المقربة للوزارات المتتابعة.


رأيناه شامخا في كل الأوقات، حتى في المحنة الكبري، وهو على فراش المرض، وفي غرفة العمليات يجري الجراحة الكبري في القلب.


كثيرون من يتحدثون عن الماضي والتاريخ، وكثيرون من يتحدثون عن المستقبل، هو لا ينكر أحدا، يظل محتفظا بأولئك وهؤلاء، يظل محتفظا بذاكرة لا تنضب من المواقف والأعمال الإبداعية، ويظل مبصرًا لواقع مصر، حاضرا ومستقبلا، لا يصادر الحلم عنا، ولا يهتم كثيرا بواقعية الأشياء وسوادها إذا كانت كذلك، هو فقط قال لي إن من حقي أن أحلم بمستقبل أعظم لي ولوطني وقت أن هاتفته بعيد الثورة.


كنت مشتاقا لأن أعرف رأيه فيما يحدث بميدان التحرير، كان مقتضبا في كلامه، وأنهي المكالمة بـ "ربنا معاكو.. استمروا في الحلم". لكنه بعد شهور من الثورة، قال إنّ الثورات موجات، فنحن نعيش إحدى هذه الموجات، والموجات القادمة ستكون أقوى وأكثر حسماً.


ظل منذ تأسيس جريدة "القاهرة" - التي انتميت إليها، قارئا، قبل أن أكون مشرفا على القسم الثقافي والأدبي في أواخر العشرية الأولى من الألفية الجديدة وحتى بعد ثورة يناير بشهور - وطوال عشر سنوات مستشاراً أدبياً يقرأ المواد الأدبية التي ترسلها له الصحيفة. كان أيضا يكتب مقالا فيها بعنوان "كتاب في كلمة، وكلمة في كتاب"، قبل أن يخذله هواة مناطحة القامات، فأخرجوه منها على مهل.


كان ملهما لأجيال من النقاد والمبدعين، لعشرات السنين يقدم لهم عصيرا للكتب، الذي كان أحد أهم الأبواب الثقافية في تاريخ الأدب والثقافة المصرية، في مجلة صباح الخير.


له من القصص القصيرة، مجموعة "القاهرة" التي كتبها العام 1964، وكذلك "صباح الجمعة" 1970، و"المسافر الأبدي" 1999، و"الشيخة"، و"الحصان الأجوف"، فيما له من الروايات خمس، هي "زهرة الليمون"، التي كتبها العام 1978، و"أطفال بلا دموع" 1989، و"قمر علي المستنقع" 1993، و"عيون البنفسج" 1999، و"أيام وردية".


كما ترجم مسرحية صمويل بيكيت، "لعبة النهاية" في العام 1961، و"امرأة في الثلاثين"، ومجموعة قصص مختارة من كتابات هنري ميلر عام 1980 فيما كتب الحوار العربي لفيلم المومياء، الذي أخرجه شادي عبدالسلام، في العام 1965.


أما عن "وقفة قبل المنحدر"، فيطول الحديث، ولكن المقام لا يتسع لذلك، تماما مثل عمله العظيم "عصير الكتب" الذي طبعته دار الشروق منذ أعوام، ويقدم نبذة عن مائة وأحد عشر كتابا في الرواية والقصة والرواية والشعر والسياسة والاجتماع والموسيقي والتاريخ.


كل ذلك وأكثر تذكرته معه في ركن صغير في غرفته.

علاء الديب الآن ترك هذا الركن، وترك غرفته كلها، ليسجى على سرير برعاية مستشفى المعادي العسكري.


يقولون أن أزمات صحية متتابعة هي السبب. لكنه سيقوم بنفس القوة والبأس. سيقوم طالما يلازمنا الشهيق والزفير. سيقوم إلى أجيال علمها وأجيال سيعلمها مهنة الإبداع. سيقوم من أجل الحياة التي رآها كل من دخل غرفته، وجلس في ذلك الركن العجيب.


أستاذ علاء. سأنتظرك تهاتفني فجأة بعد أن تعود إلى الركن الصغير في غرفتك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد الشماع
نشر في موقع الحكاية اللي ورا الخبر بتاريخ 9 ديسمبر 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق