السبت، 19 ديسمبر 2015

«المسافر الأبدى» بين ثورتين









بحب أفلاطونى لوطنه، واستقلال فى الموقف بعيدًا عن السلطة، والحفاظ على شرف قلمه، ومقاومته لـ«عفن الوسط الثقافى»، وانحيازه الدائم للثورة، حاز علاء الديب لقب «ضمير الثقافة المصرية».


تفتح وعى «الديب» أحد أبناء الطبقة المتوسطة، فى عام الثورة «1952»، كان وقتها فى الثالثة عشرة من عمره، كانت الثورة تزرع فى الواقع نبضًا جديدًا حوله، حسبما يقول فى كتابه الأشهر «وقفة قبل المنحدر: من أوراق مثقف مصرى»، تحوّل اللواء محمد نجيب فى ذهنه إلى تجسيد صادق لوحدة مصر والسودان، اختفى الباشوات من أمامه، وذهبت معه خطاباتهم البليغة، تحلّ محلها كلمات عامية للضباط الأحرار، مُحاطة بهتافات جديدة.


تنقل الكاتب الكبير بين جماعة الإخوان والتنظيمات اليسارية، آمن بـ«حركة يوليو» التى كانت- من وجهة نظره- انقلاب تحوّل لـ«ثورة شعبية» على يد جمال عبدالناصر، وصف إجراءاتها بـ«النصر الكبير»، قبل أن يستيقظ على «كارثة 67»، ليحمّل نفسه مسؤولية الهزيمة، باعتبار أنه كان عضوًا فى التنظيم الطليعى الذى أسسه «ناصر» فى بداية الستينيات داخل الاتحاد الاشتراكى: «سألنى شاب عزيز يصدّق كلماتى ويتأمل فيها: ماذا فعلت فى 67 وماذا فعلت بك؟ قلت من دون تدبر: قتلتنى ومن يومها أنا ميت».

 لم يفقد مؤلف «المسافر الأبدى» إعجابه بـ«ناصر» بعد النكسة، بل زادت وحدته مع وفاته: «كان يكفينا النظر إلى عينيه لنرى فيهما التحدى والإصرار، وتأثيره كان ساحرًا وخارقًا وكبيرًا، هناك شىء ما خطأ وتصاعد هذا الخطأ إلى أن حدثت النكسة»، فقد حلم القومية العربية والكرامة ليواجّه العولمة والفساد فى عهد أنور السادات الذى أصابه بـ«أول صدمة كهربائية فى حياته»، على حد وصفه، بزيارته لإسرائيل.


استمرّ ابتعاد «الديب» فى عهد السادات ومبارك، لم يتكئ على الدولة فى أى شىء، مكث فى منزله، رافضًا النزول إلى الشوارع: «لا أستطيع نزول الشارع حتى لا أرى غياب الكرامة فى عيون الناس»، (حوار صحفى فى 2010)، إلى أن عادت الروح إليه بثورة 25 يناير، التى اعتبرها امتدادًا لثورة 1919، انحاز لها دون أن يشارك، لظروفه الصحية، وحذر من سرقتها من قبل المتأسلمين والقوى الفاشية، أشاد بالشباب، وقال إنهم «تخلصوا من كل أمراض المثقفين السابقة، ومتصلون بالعالم اتصالًا مباشرًا، كان لدى إحساس قوى أن النظام سيسقط، لكننى لم أكن أتصور قدرة الشباب على إيقاظ روح خلتها ذبلت وماتت»، (حوار فى 2011).



جاء «الإخوان» إلى السلطة، أرجع السبب فى ذلك إلى تناثر قوى الثورة، عارض حكم محمد مرسى، وقال إن العام الذى قضاه نكسة: «لم أعرف فى حياتى أثقل منه أو أشد ظلامًا ومهانة»، رحب بـ«30 يونيو»: «كشفت المؤامرة التى ساقت المنطقة إليها سياسة التبعية والفوضى الخلاقة التى خلقت مصائب الإرهاب والإسلام السياسى وأحلام الخلافة والانقسامات، وتفتيت الشعوب والأوطان»، أبدى استياءه من إدارة النظام الحالى: «لا أحد يُعلّم الناس السياسة، لا أحد يدعو الناس إلى الاشتراك فى الحكم، إننا نعلمهم من جديد: انتظار الأوامر وطلب المنح والحوافز، نعلمهم من جديد الرخص والنفاق، وندعوهم للرشوة ومد اليد وطلب الواسطة وعدم تحمل المسؤولية».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رضا غنيم
نشر في جريدة المصري اليوم بتاريخ 19 ديسمبر 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق