السبت، 14 فبراير 2015

طعم الحياة فى جزيرة الأحياء

         

               

فتح الله أبواب الشعر واسعة أمام الشاعر أمين حداد، كما فتحها من قبل على والد الشعراء فؤاد حداد، فكتب مصر: أرضها وسماها حزنها ونيلها وشعبها: ثورته وحزنه وانكساره.

المهندس أمين حداد أصدر مؤخراً ديواناً بعنوان:
«جزيرة الأحياء: شعر وكلام وسحر وأحلام من حى الإمام الشافعى».

 أمين الذى سجَّل ثورة يناير يوماً بيوم، كتب شعراً للجموع وللشهداء، هو مواليد 1958 جاب فى ديوانه هذا الجديد:
أرض الوطن.. القاهرة، الإمام، الحلمية، البلد كله، قبلى وبحرى، القطارات، الجدات، الأيام، وقبل الكل: أباه، ابنه، حبه، شعره.. والكلمات، القرى والنخلات، الكلاب وضجيج الميكروفونات والصمت:
«المفاجأة البديهية
أننى لست كاتب هذه الكلمات
أنا الكلمات نفسها
وأنت القارئ الذى يعطيها عمرها
اقرأنى لتحيينى».

الكل يعرف أن فؤاد حداد أمضى خمس سنوات معتقلاً:
كان أمين ابن سبعة شهور، وخرج فؤاد، وأمين خمس سنوات وسبعة شهور
«ستار من النور وأبى بعيد.. بعيد
يبكى وحيداً
أبى
أبى
أنادى شعراً فيأتينى هو.. فتخرج أنفاسه من فمى
ويتمرد الشعر على طبيعته الشفافة ويصبح ناساً يعيشون خلف ستار من نور».

كما يقول أمين حداد كفانا الله شر القصائد المفتعلة:
هنا فى هذه الجزيرة أنت أمام عالم من الصدق والدهشة والاكتشاف. إن قلت سيرة ذاتية، فهى فلسفة وتأمل، وإن قلت شعراً فهى اجتماع واكتشاف وثورة!
لماذا حى الإمام؟
 هو جزيرة الأحياء وسط بحر من الموتى/ ولا يدخل إلى حى الإمام الشافعى إلا من أراد دخوله، فهو ليس طريقاً لأى من أحياء القاهرة..
... «نعيش فى جزيرة من الزمن فى بحر من العدم».


يا نوم يا رب الأحلام والكوابيس.
 أعد لنا «الأيام» لأن الأيام «بتهل وتمشى.. والأحلام بتقل حبة حبة ودموعى من الرقبة واصلة لرمشى.
 أما البيوت: فكل البيوت وحشانى.

بيوت كتير الزمن خلاها تشبه بعض، أفضل ألف عليها.. وأدق على البيبان وأنادى ما حدش يرد علىّ، حابقى آجى فى وقت تانى.. يكونوا رجعوا بالسلامة إن شاء الله».

يحاول بسطاء الناس أن يلمسوا السماء، فتراهم يطلقون/ الطائرات الورقية، ويربون الحمام الذى يدور فى السماء ويعود.
«وبعض الحمام يذهب ولا يعود
وبعض الناس كذلك.

يخرج أبى مرة حراً.. ومرة يتوفى».
ربط أبى بين الإمام والحمام تقريباً فى كل مرة كتب فيها عن الإمام.
وقال حفيده، أحمد:
«ريحة الحليب مفروشة فوق الإمام
ومفشطة فى غمرة سرب الحمام».

وقال حفيده أحمد أيضاً:
«كان عندى حمام بيعرف يرجع مهما يطير
علمنى إزاى أرفرف وأتأخر فى المشاوير
وخرج أبى مرة ولم يعد
وبعض الحمام يذهب ولا يعود».


لهذا الكتاب المفتوح الذى تغمره الشمس ويشبع من الضوء والنسيم إهداء جميل يقول:
«إلى طعم الحياة حسن حداد، ورحلته معنا منذ أن كان ابننا إلى أن أصبح أبانا: فؤاد وزكية وسليم وأمين».

حسن الشقيق الأصغر، وطعم الحياة فى ديوانه - أقصد مجموعته القصصية التى أصدرها. يقول عنه أمين حداد:
«أخذت (حسن) فى يدى وهو ابن السنتين والنصف لنشترى البسكويت من أم عنتر، يوم الاثنين 5 يونيو فى صباح ساطع. وداهمتنا زمارة الخطر المتقطعة التى لم تمنعنا من إتمام مهمتنا، عدنا لنسمع البيانات العسكرية وإسقاط الطائرات الإسرائيلية/ ونسمع دوى انفجارات بعيدة».

***
أحلام اليقظة ويقظة الأحلام.
لغة الشاعر: سبيكة جديدة أشعر أنه يستخرجها من طرح النخل أو عمق النيل من فم الجدة، وصمت اليتيم.

قصيدة «موت مبهج» وقصيدة «لحظة من فضلك» أتمنى لو أننى أدخل إلى عالمهم، وأكتشف القصيدة من الداخل، وأمشى فى ضوء تكون إيقاع الكلام.

الديوان يأخذك إلى إيقاع الحب والحياة.
 من يعرف الفن والحب لا يعرف رتابة الحياة: هكذا يقول أمين حداد.

لى أنا جرح لا يندمل مع 67 وألم قائم فى الأحشاء، وقد كتب والد الشعراء «نور الخيال» ديواناً يعالج فيه بعض ما حدث: قال فى المقدمة التى أوردها أمين فى جزيرته:
«من القلب عندما شُق بالعرض والطول وغاصت
فيه الجراح لترسخ أو تنطلق. ومن العين عندما
قرأت الهزيمة فى التليفزيون وسرى فى السلسلة
ماء كالرصاص أو الجليد».

ثم مات عبدالناصر وخرج الناس.
ولم يعد.
كان عمره قد وصل للمصب فى بحر الجماهير التى ودعته بالدموع والسواد.

لك الله والناس يا بلد! جزيرة أمين حداد وصلتنى فى أيام يقال عنها عيد الحب، وجدته فى آخر الديوان البحر يقول لى: «الوقت هدية المحب للحبيب».

 أهدى كلاماً بلا صوت.
 لن يضيع ما ورثته سدى، ولن أخاف بعد الآن من الظلم الغبى ولن تضيع حياتى. ومن أحب الناس... عاش.
سلمت لنا ودمت.

جزيرة الأحياء- شعر أمين حداد
- دار الشروق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 14 فبراير 2015 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق