الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

مصر فى جملة مفيدة





كل عام وأنتم بخير.

غدا نبدأ عاما جديدا، ويكون قد مر على ثورة يناير أربعة أعوام صاخبة مزدحمة.

منذ شهور أكتب هذه الكلمات فى الأهرام العريقة تحت عنوان «صفحة جديدة»
 أستعرت العنوان من قصيدة الشاعر الشاب أحمد الحداد الذى يقول:
«حطلى مصر فى جملة مفيدة».

الثورة كانت ـ فى اعتقادى اعادة المعنى لكلمة مصر، أما تكوين الجملة المفيدة فهو الجبل الذى نصعده معا.

 فوق الجبل نبنى مصرنا الجديدة، وليس على رمال متحركة وسط اقذار وغبار.

سمحت لى هذه السطور التى أكتبها هنا كل أسبوع أن أبحث عن كلمات جديدة تقولها أسماء جديدة، شعرت بأن كابوس الخوف يرتفع عن كاهلها، وأحست أن حال رقابة السلطة، والرقابة الداخلية التى رزح تحتها جيلى ممن حاولوا التعبير أو الكتابة قد ارتفع، ويجب ألا تسمح له أن يوجد، فقد اكتشفت خلال سنواتى الطويلة مع الكتابة ومع الصحف أن هناك من يستعذب وجود هذه الرقابة، كمرضى السادية، وهناك من يستفيد من وجودها ويتسلق على درجاتها.

إذا كان هذا هو المبتدأ فى الجملة، فان الخبر الذى أكدته الأيام والتصاريف التى مرت بها ثورة يناير، ومحنة الإخوان ونكبة أو نكسة الحكم الذى استمر عاما ـ لم أعرف فى حياتى أثقل منه أو أشد ظلاما ومهانة ـ الخبر كان معجزة خروج الناس فى 30 يونيو وكشف المؤامرة التى ساقت المنطقة إليها سياسة التبعية والفوضى الخلاقة التى خلقت مصائب الإرهاب والإسلام السياسى وأحلام الخلافة والانقسامات، وتفتيت الشعوب والأوطان، واعادتنا قسرا إلى عصر القبائل وظلام القرون الوسطي.

 الحال فى الجملة أو الصفة هى كما ترى انقسامات حادة فى الرأى وحوار طرشان وصوت عالى وصخب، المشاريع التى أطلقها الرئيس السيسى ويتابعها فى حماس وزراء ورجال الحكم لا تقضى على ضوضاء الأصوات الصارخة وصراع المصالح الذى لم يجد النظام الجديد بعد وسيلة إلى ضبطه أو تحجيمه.

أهم الظواهر التى تهمنا هنا فى هذا السياق ونحن ننتظر الانتخابات والبرلمان الجديد الذى سيتولى الإدارة والمراقبة هما ظاهرتان تسببان القلق وتكادان أن تفككان الجملة المفيدة التى تريد أن تتكون وتهددان مصر التى نريدها مبنية على الصخر فوق الجبل.

 الظاهرة الأولى هى الدور الذى يلعبه الاعلام الآن. 
أقصد ما يطلق عليه الاعلام الرسمي، وريث وزارة الارشاد والاتحاد القومى والاشتراكى والحزب الوطني، مازال هذا (البوق) يزعق كميكروفونات الجوامع التى ترهب الناس من الدين ومن الصلاة أكثر مما تدعوهم إلى سماحته ومحبته، ما هى خطة اعلام الدولة الآن؟

بأى منطق ولأى غرض تدار أجهزة الإذاعة والتليفزيون، ذات الأثر الكاسح فى بلد هذه هى نسبة الأمية والجهل فيها.

أكاد أقول أنها تعمل ضد البلد.. وضد الثورة.
هذا رهان لن أخسره لو تابعنا مئات ساعات البث والإرسال بالتفصيل والتحليل.
أهى تعمل لتأسيس سلطة دكتاتورية جديدة؟
 أم تعمل لإيجاد حالة مختلفة فى الغيبوبة، لا أحد يعلم الناس السياسة.
لا أحد يدعو الناس إلى الاشتراك فى الحكم.
إننا نعلمهم من جديد: انتظار الأوامر وطلب المنح والحوافز. نعلمهم من جديد الرخص والنفاق، وندعوهم للرشوة ومد اليد وطلب الواسطة وعدم تحمل المسئولية.

الظاهرة المعلقة الثانية هى تلك الحملة التى تدار

ـ لا أدرى بواسطة من ـ ضد «المثقف» المثقف ليس رتبة ولا وظيفة، كما أنه ليس وجاهة اجتماعية.
أنها صفة لا تكتسب بالتعيين أو بارتداء ثياب معينة أنها
(علم، وعمل).

المثقف هو المشغول والعامل فى عقل الأمة.

ليس المثقف ـ كما يقول أحد كبار الأساتذة ـ هو ابن الطبقة الفقيرة الذى حصل فى عهد الناصرية على مكاسب يريد الاحتفاظ بها، لذلك فهو يعمل على نفاق السلطة الجديدة، ليس هو اليسارى الذى يخاف من فتح ملفات أمن الدولة كما أنه ليس الخائف من تهم الشيوعية أو العلمانية أو الكفر والزندقة.

هو خادم عقل الأمة. المدافع عن خصائصها وهويتها، هو المنتج لغذاء العقل والروح، إذا لم نحمه ونحافظ على كرامته وقيمته،إذا لم نكف على اتهامه بالعمالة ، والسفسطة وطول اللسان، فنحن نترك الناس على المذاود يأكلون التبن ويسمعون الهراء. ولا يفرقون بين الصدق أو النفاق والكذب.

إذا لم نحترم المثقف ونضعه فى مكانه فى الصف فإن العربة لا محالة ترجع إلى الخلف.
المثقف الذى عاش أمينا مع يناير ومعجزة يونيو الآن هو الباحث عن تغيير شامل يبدأ من التعليم.
تعليم العلم، وتعليم السياسة التى هى خدمة الناس والعمل للمستقبل.
هو الذى يقف خارج دوائر الارتزاق من النفاق ومن فتات صراع المصالح.
هو من يقف خارج دوائر الادعاء والتسلق والانتهازية.
الباحث عن نهضة للأمة، شاملة أساسها الحرية والعدل.. والعلم والعمل.

لقد أثبت اجتماع مثقفى مصر لإسقاط وزير ثقافة الإخوان قدرتهم على التجمع والتحرك الايجابى فى وقت الضرورة، هو لون أساسى من ألوان الطيف مع العمال والفلاحين، بدونه لا يكتمل نور الشعب.

وكل عام وحضراتكم بناة لمصر الجديدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرفى الأهرام بتاريخ 31 ديسمبر2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق