الأربعاء، 24 ديسمبر 2014

تقاسيم للمحبة والغضب

           

           نتيجة بحث الصور عن الكاتبة اريج جمال



 قدمت الكاتبة الشابة «أريج جمال» مجموعة قصصية جديدة فى شكلها وأسلوبها الخاص الذى نحتته فى المنطقة الحرجة بين النثر والشعر والفلسفة الحديثة،

فى المجموعة إحدى عشرة قصة، فى كل قصة تجربة حرة فى محاولات الشكل القصصى الجديد.هناك روح غاضبة متمردة جديدة، تعتمد على معرفة واسعة.. بالأدب الأوروبى، من فرجينيا وولف إلى رامبو إلى سانت أكزبورى«الأمير الصغير ـ أرض البشر» كما أن هناك تأثرا، واستيعابا للتجربة الشعرية الفريدة للراحل أنسى الحاج من لبنان ما علق فى الذهن بوضوح هو روح الغضب الإنسانى والاجتماعى، قلق، غاضب متمرد يجد تعبيرا صريحا له فيما تقول عنه الكاتبة: فضل الكتابة المقدس.


فى الصفحات الأولى من المجموعة تعلن أريج جمال بوضوح أنك أمام كتابة جديدة اسم القصة الأولى
«حكاية اللوح الزجاج، الذى يطلع للبنت من المنام»بعد هذا الاسم غير العادى، تقول:
 تلك الليلة، أرّقها القلق، ودت أن ترسم على الجدار العظيم الفارغ، قبالة فراشها، وجه الحبيب، كانت تدرى أكثر من أى أحد، أن الحبيب هو الذى نحبه فيغيب، أحست أن الوجه لو تجلى سيكون الحبيب هنا معها، ولو غصبا عنه، سيرى عريها الجسدى والنفسى كل الأوقات، لم تكن تفهم، فى الواقع، إلى الآن لا تفهم أنها تهديه شيئا أكبر من قدرته على الاحتفاظ بالاشياء.. الجميلة».


هذه كتابة مختلفة فيها قدرة لغوية، وخلط جديد بين الواقع والحلم، استقامة الكلمات والتباس الدلالة، وبحث عن ايقاع موسيقى متعمد، يتضح ويتنوع فى كل قصص المجموعة التى تؤكد أن الكاتبة تبحث عن «صوتها الداخلى» ولا يعنيها الوضوح بغدر الدقة فى ايجاد صورة لعالم النفس الداخلية. صدرت هذه المجموعة الصغيرة (85صفحة) عن دار «روافد للنشر والتوزيع» بعد أن كانت المؤلفة قد فازت فى مسابقة نظمتها مجموعة كبيرة من المؤسسات الألمانية «بنك التعمير الألمانى، جمعية دعم أدب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللايتنية، بالاشتراك مع معهد جوته بالقاهرة، فى لقاء أدبى» أو «ورشة كتابة بعنوان لماذا نكتب» كانت أحد أنشطة معرض فرانكفورت للكتاب: 2014 تحت اشراف الكاتب العراقى الألمانى: عباس خضر، فازت قصة لأريج جمال بعنوان «طنين» وهى قصة غير واردة فى المجموعة مهداة إلى سمية رمضان، وفيها رائحة فرجينيا وولت التى يبدو إن لها تأثيرا خاصا مع الكاتبة الشابة.


توقفت عند واحدة من القصص أعتقد إنها أكمل تعبير عن تجربة أريج جمال، وهى قصة الشعر، حيث لم تكتف الكاتبة بالتعبير عن «الحالة» بل دخلت إلى بناء فنى كان له نفس طعم الجدة، والغضب الإنسانى، حيث تقول:
«سكتت الأعين التى هدها البكاء، ونامت، وهى تعاتب الله وتنتحب» «كان قلبى طيبا.. كان قلبى طيبا » فى المنام رأت داليدا عارية، أيضا حملتها على رجلها، فرجتها ريشها، وراحت تغنى لها: «جدع أنت يا جميل الصورة»..


من قصص المجموعة ومقالات الكاتبة يتأكد معنى الغضب الذى يذكرنا بحركة كتاب إنجلترا فى منتصف القرن العشرين، حيث تقول الكاتبة إنها تشعر أن بلادها لا تحبها ولا تفهمها، وأن البلاد العربية عموما لا توفر للكتاب إمكان أن يتفرغ لكتابته، ويعيش على دخله منها، وهى تدين بصراحة «حالات النجاح التجارى لأنها حالات شاذة تلبى احتياجات معينة معروفة ومتوقعة سلفا».


.. تحيرت أمام تجربة الشابة الفنانة، خاصة وأنت تلمس ثقافتها وأمانتها أمام فعل الكتابة، ولكن تشعر بنوع من الانفصال عن قضايا الواقع الذى يمد الفن بماء الحياة، والذى يربط الطائرة الورقية المحلقة بالأرض والناس.


فى القصة المهداة إلى روح رامبو تقول أريج فى مدخل القصة: «الوقت غروب، كنا على وشك العناق، حين سحب ذراعيه وانسحب، لم يعبأ بالحياة من حولنا، بهذا الشارع السيال السائر بنا أو بدوننا».


حرية التجربة الابداعية جديرة بالتحية والاحترام، ولكننى أعتقد أنها يجب أن تتم على الأرض، وليست فى السماء أو فى المنام، أريج جمال تضبط أوتار العود، وستبدأ العزف قريبا بالتأكيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 نشر فى الأهرام بتاريخ 24 ديسمبر 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق