السبت، 27 سبتمبر 2014

أبوالغار: أهمية أن تكون شريفا

      

            


«على هامش الرحلة» كتاب محمد أبوالغار:

 كتاب ظلمته الأحداث العنيفة المتدافعة التى صاحبت صدوره الأول (2003) وتصاعدت تغطى على صدوره الثانى (2011)،كأن هذه الملابسات تدعو صاحبه: العالم والسياسى والفنان إلى متابعة الرصد والكتابة، ومواصلة ذلك التعبير النقى الشفاف والصريح عن حالنا وحال الوطن.



الكتاب نوع من الالتزام الشريف بقول الحق، ومتابعة الصراحة، الحاجة إلى هذا تتزايد كل يوم.


 مثل هذا القول الحق والكلام الشريف الصريح نادر، لا يملكه إلا هؤلاء الذين يملكون تجرد أبوالغار وشجاعته المتواضعة المسؤولة.


العالم الطبيب يعمل العقل ويحلل الظواهر، والإنسان المتحضر الفنان، عاشق أسلوب توفيق الحكيم، ومتابع الفن التشكيلى المحلى والعالمى، وسامع كل حفلات أم كلثوم والعارف بالتراث الكلاسيكى للموسيقى الغربية والشرقية..


 وقبل هذا كله المتجرد من الانتهازية والأطماع والوصولية:
 يكلمك هذا الإنسان طوال صفحات الكتاب (327 صفحة) وكأنك صديق قريب، ورغم أنه يحكى لك تفاصيل حياته وحياة أسرته فإنك تجد نفسك فى النهاية أمام دراسة نادرة لصعود وتفكك الطبقة الوسطى، صورة أمينة لانتصار وانكسار ثورة يوليو، تراجيديا حال التعليم فى مصر، وكارثة الجامعة المصرية وما آلت إليه..



 تجزع وتخاف من تصويره المجرد لانتهازية النخبة، وتدنى الباحثين عن فتات الموائد ونفايات السلطة.


 تسأل نفسك كل لحظة: كيف عشنا طوال هذه السنين فى هذا المستنقع بلا هواء نظيف؟!

لا يتركك أبوالغار فى هذا السواد.

العلم، والإرادة والحب العميق للوطن وللناس تقدم له ولقارئه حبلا متينا من الأمل لا يغيب لحظة عن عينه وإدراكه.



يقول عنه الطيب صالح، الأديب السودانى الراحل، وهو صادق كاشف أمين فى مقدمة قصيرة للكتاب:


وجدته إنسانا متواضعا دمثا ودودا، يخفى تحت بساطته الظاهرة وابتسامته الحية علما غزيرا وعقلا حاد الذكاء وتجربة حياتية كبيرة.



 عالم أديب مستنير من طراز العلماء العرب المسلمين الأوائل..

 يحمل سمات رجال عصر التنوير الأوروبى.

ثم يقول الطيب صالح: هذا رجل مضىء، فمن أين له كل هذا الضوء؟!

                    

على الرغم من أننا لسنا أمام نص فنى أدبى فإن الكاتب قد اتخذ من الأسئلة الكاشفة طريقا لبناء وحدة كتابه الذى تقرؤه بقدر كبير من التشويق والمتعة المثيرة للتفكير والتأمل.


 بداية من حادثة خميس والبقرى

(أول حكم بالإعدام فى أعقاب ثورة يوليو) وكيف انقسم الناس بين مؤيد ومنافق وخائف وصامت، ثم تشكيل هيئة التحرير التى ضمت أسوأ الناس خلقا، وجمعت كل انتهازى وووصولى فارغ.


 ويذكرنا بترك الناس المسؤولية السياسية على عاتق عبدالناصر باختيارهم أو رغما عنهم، ثم تأجيل التفكير فى تحقيق الديمقراطية حتى يتحقق الرخاء ثم الاستقرار ثم الاستغناء عنها نهائياً.


يشير إلى احتلال تنظيمات الإخوان للفراغ الذى حدث بعد تفكك حزب الوفد وفقدانه أى وجود مع الناس. ثم الفشل المتتابع لتنظيمات الثورة، القومى والاشتراكى والطليعى. حتى شاع واستشرى مناخ يكره الديمقراطية والنقاش، لا يفكر ولكن ينصاع ويخضع لآلة الدعاية الجهنمية التى خلقت جيلاً دون أى اهتمام سياسى..


 أجيال من الانتهازيين الوصوليين تقودهم أنوفهم إلى رائحة السلطة.

                   

يحدثنا الكتاب عن تفاصيل العلاقة مع الغرب وكيف نستعمل كل وسائله، ويدعى البعض أن الله سخر مخترعاتهم لنصرة الإسلام وغير ذلك من خرافات بذيئة أطلقها ذلك الخلط الذى انطلق مدمرا الدنيا والدين معا.


يذكرنا الكتاب بمشاريع «السيدة الأولى» وكيف كانت تلقى مهرجانات من الأغنياء الجدد. ويتابع أمراض أموال النفط، والارتباك الطبقى والخلقى والاجتماعى الذى ترتب بعد انتصارات الشعب المجيدة فى أكتوبر. وكيف سكنت التبعية واقتصاد الريع وتوقف الإنتاج، وشلل التعليم والصحة فى ظل نمو الساحل الشمالى ومستوطنات الأغنياء.


 عرفنا الجامعات الخاصة الهادفة للربح فى اختراع مصرى جديد.

فكل الجامعات الخاصة فى العالم تهدف لتقديم تعليم أفضل بدعم أهلى غير هادف للربح.

بعد رصد مؤلم للحالة الاجتماعية والاقتصادية يقول فى الخاتمة:

 «نحن - المصريين - أمامنا معارك كبرى لتحديث الأمة والدفاع عنها أمام الهجمات البربرية، وهذا لن يكون إلا بالنظر للأمام والبحث فى علوم المستقبل وثقافة المستقبل حتى نخرج من هذا المستنقع الذى نعيش فيه».

                    

وسط هذا الخضم الهائل من مشاكل الوطن لا يحدثنا العالم الكبير الذى حقق فتوحات علمية فى مجال تخصصه عن نفسه إلا فى صفحات قليلة وبتواضع جم.


 فقد افتتح مركز أطفال الأنابيب مع

د. رجاء منصور ود. جمال أبوالسرور (1986) فى شقة صغيرة بالمعادى. وولدت الطفلة «هبة الله» أول طفلة أنابيب مصرية فى 7 يوليو (1987) بعد مداولات مطولة مع الأزهر والكنيسة. وانطلق الإنجاز العلمى مسلحاً بالشرف والتواضع والرغبة الصادقة فى الخدمة الإنسانية.



كما لا ينسى أن ينسب إلى نفسه بعض الدور فى حركة 9 مارس لاستقلال الجامعة، رغم أنه واحد من المؤسسين لهذه الحركة التى كانت ومازالت رافدا مهما من روافد الرفض والثورة والتصميم على التغيير.

على هامش الرحلة - محمد أبوالغار.
2003 - 2011 الهيئة. الشروق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في جريدة المصري اليوم بتاريخ 27 سبتمبر 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق