السبت، 4 أكتوبر 2014

شريف يونس مفكر يساري حر


يقدم «شريف يونس» فى كتابه الجديد«البحث عن خلاص»رواية تاريخية مهمة وشيقة لتاريخ الحداثة فى مصر.

«الشعب» بطل الرواية، وشعار «ارفع راسك فوق.. إنت مصرى» هو النهاية السعيدة التى تفتح أبواب التفكير فى المستقبل وتضع المسؤولية فى مكانها الصحيح.. مرة أخرى

ــ بعد عقود من الاستعمار الخارجى والداخلى، وأنواع من القهر والاستغلال ــ فى 25 يناير يستعيد الشعب مسؤولية التصرف!
فماذا أنتم فاعلون؟
المؤرخ والمفكر اليسارى الحر فى دراسته عن
«أزمة الدولة والإسلام والحداثة فى مصر» يطرح أمام القارئ المسارات والصراعات والأفكار التى صنعت ثورة 25 يناير:
 التاج الثانى الذى وضعه الشعب المصرى بنفسه فوق رأسه، بعد ثورة 1919.

ويقدم من المناهج وطرق التفكير والمعارف التى تهدف إلى ضبط «المصطلحات» السياسية والفكرية ما يساعد من يريد أن يفهم ويتجنب الانزلاق إلى مسارات خاطئة، أو تكرار مآس قديمة لم يعد الزمن ولا الطاقة قادرين على احتمالها.

تبدأ «دراما» «البحث عن خلاص» التى يشكلها
«شريف يونس» بالحداثة المفروضة، من أعلى، على بحر راكد من الفقر والجهل والمرض، سواء بحملات التجنيد أو ببعثات التنوير الغربى، التى صاحبت أحلام الإمبراطورية التى داعبت خيالات محمد على بعد الخلاص من الحملة الفرنسية، فيما يذكرنا بالكتابين الرائعين للمؤرخ خالد فهمى:
 «كل رجال الباشا» و«الجسد والحداثة» اللذين قام بترجمتهما إلى العربية شريف يونس نفسه، مشكلين مع الراحل سامر سليمان ما يشبه المدرسة الجديدة فى كتابة تاريخ يقظة الشعب المصرى، التى طلع فجرها الجديد، وأكدت 30 يونيو أنه لا يمكن أن يكون كاذبا!

كلمة «الهوية» الغامضة الملتبسة التى تستعملها كل سلطة وكل نظام، والتى من معانيها اللغوية «البئر العميق»:
هى محور أساسى من محاور كتاب شريف يونس المحتشد بالمعارف والأفكار.

مصر تعرف هويتها، ولم تعد تحتمل أن يستغلها أو يتاجر بها أحد، لا باسم الدين، أو القومية أو أحلام «المُلك» أو «الخلافة» أو «إمبراطورية السلطة» العالم مفتوح، وتجارب الشرق والغرب، والشمال والجنوب مطروحة أمام العقل الحر اليقظان، الذى عرف أن الخلاص ليس شخصاً، أو حلماً مثالياً، أو هتافاً.. لكن الخلاص فى العمل والعدل وكرامة الفرد المدرك لواجبه وحقه.

أصدر شريف يونس، قبل كتابه هذا كتباً مهمة عن
«سيد قطب» وعن تأثير أفكاره التى مازالت تنتج أزهار الشر فى كل مكان.
 يورد فى كتابه هذا نصاً مخيفاً لسيد قطب يقول:
«إن أفكارنا وكلماتنا تظل جثثاً هامدة حتى إذا متنا فى سبيلها أو غزيناها بالدماء، انتفضت حية، وعاشت بين الأحياء».

الرجل الذى يقوم فكره: على تكفير العالم كله، ما عدا العصبة المؤمنة التى تحمل فكره وكتابه هو الذى يمد كل هذا الجنون الذى ينتشر كوباء أسود يثير الرعب ويخنق الأحلام.

وجماعة الإخوان الإرهابية التى شكلت ما يطلق عليه الصحوة الإسلامية الجديدة، هى تنويع على نفس اللحن الإجرامى الأسود، وكما يقول شريف يونس إن الجماعة فقدت مبكراً التمييز بين مشروعها وبين الجريمة السياسية وصارت بحكم أيديولوجيتها نصيرا لكل حكم ديكتاتورى مهما كان شكله.

 انظر جيداً خلف تلك الابتسامة الإخوانية الشهيرة لترى خلفها سماً أصفر، من خلف القضبان ــ أو الزجاج ــ مازلنا نراها، ومازالت تثير نفس الاشمئزاز والغضب لأننا لم نعرف بعد كيف نفصل بينهم وبين ادعاء الدين والاختباء وراءه.

يلفت الكتاب النظر إلى الصعود والهبوط المأساوى لحزب الوفد، الذى يشكل خلال كل هذه العقود الحزب السياسى الوحيد الذى تنفس الشعب المصرى من خلاله، ولكنه لم يجد القدرة على مقاومة الضربات التى تلقاها من الملك ومن الخارج، ثم النهاية القاصمة من ثورة يوليو ثم محاولات البعث الكاذب التى تلت ذلك ليخرج كائناً مبتسراً مشوهاً فاقداً للدور والخطة والفاعلية.

من أهم إسهامات شريف يونس التاريخية دراسته لتجربة يوليو فى كتابيه «نداء الشعب» و«الزحف المقدس» التى وجه فيها انتقادات جذرية أساسية لنظام عبدالناصر من وجهة نظر يسارية وضعت يدها على محنة الديمقراطية التى صاحبت الانتصارات التى حققها الزعيم، وبوحى من الشعب، الذى تحول بعد فترة من حرمانه الاشتغال بالسياسة «من تحالف قوى الشعب العامل»، إلى شعب مستهلك يطالب بالمكاسب الاشتراكية. كما تحول النظام ــ كما قال عبدالناصر نفسه ــ إلى إقطاعيات، وأصبحوا يشترون الحاضر ويبيعون المستقبل.

بعد انقلابات القصر التى أدارها السادات: ودخلنا عصر الانفتاح والسلام.
 تغيرت الشعارات بسلاسة غريبة.

 وتكشف الانفتاح عن عملية سطو غير مسلح، كما سقطت قدسية المعركة الأبدية مع إسرائيل، ويلخص شريف يونس الـ30 عاماً الشهيرة التى سبقت يناير 2011 تلخيصاً موحياً فيقول:
«دخلنا فى خلاصة مركزة من الانحطاط الشامل الفكرى والفنى والاستهلاكى والشعورى الذى أنتجه نظام اللامسؤولية الشامل».

الكتاب أهم وأشمل وأخطر من أن تحيط به هذه الكلمات، ولكنه دون شك يبعث يقيناً فى أن هذا الشعب قدّ من صخر صوان وأن هويته شمس لا تغيب.

نقطة نظام
سمعت أن الفنان الشامل ــ زياد رحبانى ــ يفكر فى هجرة نهائية عن لبنان.
 لو صح الخبر لكان خسارة جديدة تصيب كل العرب.


البحث عن خلاص ــ شريف يونس
ــ المكتبة السياسية. هيئة الكتاب بالقاهرة 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر في جريدة المصري اليوم بتاريخ 4 اكتوبر 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق