السبت، 13 سبتمبر 2014

عن حسن البنا.. ودرية شفيق

             
                

هشام الخشن: مهندس مدنى من مواليد القاهرة 1963.انضم أخيراً إلى عالم الرواية بعد عدد من الأعمال الأدبية التى وجدت مساحات فى اهتمام القارئ وأجهزة الإعلام.

 كانت البداية مجموعة قصص 2010، بعنوان
 «حكايات مصرية جدا»، أوضحت شغف الكاتب بالتعبير بالكلمات وقدرته على تخطيط الأعمال وبناء تفاصيلها بموهبة مهندس دقيق.


 فى 2011(!) ذلك العام المشهود، أخرج هشام الخشن عملين: «وراء الأبواب» الذى يقول إنه تم إنتاجه كمسلسل تليفزيونى، ثم «7 أيام فى التحرير» الذى يقول عنه أيضا إنه يتم إنتاجه كمسلسل.

 بقى له عملان «آدم المصرى» رواية 2012. وفى عام 2013 مجموعة قصصية بعنوان «دويتو».

على ماذا يدل هذا الإنتاج الغزير المتدفق؟
الكاتب تخطى مرحلة الشباب المبكر، وهو كما يبدو صاحب خبرة فى الحياة والسفر، وعلى قدر واضح من الاطلاع على مجالات الثقافة والفن.

 كما يبدو لى أن دراسته الهندسية قد مكنته من موهبة التصميم، والتخطيط والبناء.

 كما يبدو - والله أعلم - أنه قد أصيب بذلك الفيروس النادر، الذى يصيب الكتاب الآن فيحول نظرهم وفكرهم إلى السينما والتليفزيون.

 فى سنوات قديمة أفادت السينما الأدب فى بعض الأساليب والحيل فى أسلوب الكتابة، والتقطيع، والعودة إلى الماضى. أما الآن فإن السينما والمسلسلات التليفزيونية تخطف عين الأدباء عن بناء الشخصية من الداخل، وعن التأمل والتفكير داخل العمل الفنى.

عن كتابة روح الشخصيات والأماكن:
 عن إقامة علاقة مع القارئ، وليس مجرد إخباره بالأحداث والوقائع.

لا أريد أن أستطرد فى هذا الشعور الذى أصبحت وأصبح غيرى يلاحظه فى الإنتاج الغزير، الذى يتدفق، ويكاد يحجب «صورة الأدب» الذى يتوارى خلف سطوة الأجهزة الجديدة. خاصة رعب المسلسلات التليفزيون سلطان العصر وجحيمه!!

***
الاعتذار واجب للرواية السهلة والجميلة التى قدمها هذا العام هشام الخشن بعنوان «جرافيت». والتى أعتقد أن أى متابع عادى للصحف أو لقنوات التليفزيون قد سمع عنها أو قرأ تقديما لها.
 فالرواية والكاتب يسيران فى طريق نجوم الأدب الجدد الذين تصاحبهم حملات دعائية غير مسبوقة.
جرافيت: رواية تختار أهم مشكلتين فى الواقع الراهن:
الإخوان والمرأة.
وبالأسماء: الرواية تتحدث عن:
 درية شفيق، زعيمة الحركة النسائية بعد هدى شعراوى.
 وحسن البنا مباشرة من الإسماعيلية حتى القاهرة.
حول هذين «العملين» عدد غير قليل من الشخصيات الواقعية التاريخية، وعدد غير قليل أيضا من الشخصيات التى رسمها خيال الكاتب من المصريين والأجانب، فى القاهرة وباريس وضفرها فى مهارة كشعر صبية حسناء.

أظنك تعرف أن الجرافيت معدن فحمى حديدى تصنع منه مادة الكتابة فى أقلام الرصاص.
 بطلة الرواية «نوال عارف» زميلة درية شفيق فى البعثة المصرية، التى خرجت من مصر، مكونة من 12 فتاة للدراسة الجامعية فى لندن وباريس سنة - 1928.

 فى نفس هذا العام حسم حسن البنا أمره وقرر بناء جماعته، على أن تتجاوز الفرق الإسلامية الموجودة، وأن تمد الجسور بين «السلفية والصوفية» وأرسى أسس السمع والطاعة.
ويقول التاجر الكبير الوطنى الذى لعب دورا كبيرا فى ثورة 19 لابنه الأستاذ حلمى المدرس، وزميل حسن البنا، الذى انضم مؤخراً للإخوان، ويطلب من والده الحاج الأهوانى التبرع لجامع يبنيه حسن البنا فى الإسماعيلية: يقول الحاج الأهوانى لابنه:
«حين تعرف يا حلمى عن أبيك دوره الوطنى، فأنت أكيد يا أستاذ لا تتجرأ وتطلب منى أن أتبرع لما يتبرع له الإنجليز.

 اذهب يا حلمى لحسن البنا أفندى، واسأله لماذا أخذ من البارون (دى بنو) خمسمائة جنيه وتحت أى بند؟
 إلا طبعاً لو رئيس شركة القناة يبتغى وجه الله الكريم وينوى أن يصلى معكم كل جمعة».

ترصد الرواية بعد ذلك تخزين الجماعة لصناديق المتفجرات المكتوب عليها اسم القوات البريطانية، كما يرسم صورة قديمة لتدمير الجماعة، عن طريق التفجيرات الإرهابية، النسيج الاجتماعى المصرى النادر، الذى يضم كل الأديان وكل الطبقات.
اختار الكاتب أن تتحرك كل شخصيات روايته المزدحمة والمحتشدة بالموضوعات والمشاكل والدلالات، مجال الطبقة المتوسطة، وهى فى مصر منبع ومصب الحراك الفكرى والاجتماعى. كما أن الجديد والممتع هو حضور الأجانب الذين استوطنوا مصر ودخلوا فى نسيجها الاجتماعى من يونان وطليان وأرمن، كما رصد الحضور اليهودى القديم الذى عاش فى أسواق البورصة والتجارة المصرية قبل ظهور السرطان الصهيونى فى فلسطين.

تكاد نوال عارف، بطلة الرواية، أن تكون الشخصية التى حظيت من المؤلف بعناية فى رسم مشاعرها وأفكارها وهواجسها من أول نداء جدتها المتكرر عليها:
 خارجة من غير يشمك يا نوال!
 الصيحة التى لا تجد ردا.
 والتى تعتبر الرواية كلها رداً عليها.

كذلك إصرار نوال عارف على استعمال القلم الرصاص فى الرسم بالأبيض والأسود فقط.
 رغم نداء صديقها الفنان الفرنسى عليها فى نداء مكتوب على رسالة الوداع: يحق لك أن تشتهى ألوان الحياة
لا تغزلى من خلالها قيودك
لا تضع نوال الألوان فى لوحاتها إلاّ بعد أن تسير فى مسيرة المرأة التى دخلت إلى البرلمان لتطلب المساواة بالرجل وبعد أن تحصل على الطلاق من الزوج الذى قهرها بفساده وتسلطه.

فى نهاية الرواية يقول الكاتب المهندس هشام الخشن إن الحياة قصة قصيرة فكيف يطيل الكاتب الحديث.
 ويلحق هذا بصفحتين يطلق عليهما «خواتيم» يورد فيهما نهاية أبطاله، منها سطور فاجعة عن درية شفيق: أختم بها كلمتى هذه التى أظنها ظلمت رواية جميلة ممتعة: «استمرت درية شفيق فى قيادتها وكفاحها من أجل حقوق المرأة المصرية.

فى عام 1954 وعقب احتجاجها على عدم ضم أى امرأة إلى لجنة دستور مصر، وعدها الرئيس محمد نجيب بتعديل الوضع، ولم يف بوعده.
 فى عام 1957 قام جمال عبدالناصر بوضعها تحت الإقامة الجبرية بمنزلها، نتيجة خطاب أرسلته للأمم المتحدة، تندد بالديكتاتورية فى مصر.

 استمر تحديد إقامتها ثلاث سنوات، وبعدها استمرت درية شفيق فى عزلتها شبه التامة، إلى أن توفيت 1975، إثر سقوطها من شرفة منزلها بالزمالك.


جرافيت (رواية) هشام الخشن
- الدار العربية للكتاب - القاهرة 2014

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر في جريدة المصري اليوم بتاريخ 13 سبتمبر 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق