الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

2011.. والتفكير النقدى





                      


خالد الخميسى صاحب «مشاوير التاكسي» ورواية «سفينة نوح» أصدر أخيرا كتابا لافتا هو:
«2011: نقطة ومن أول السطر» ، وقد شرفنى بالزيارة وترك لى الكتاب،

وهو كما قلت كتاب لافت، ففيه إنجاز فنى وفكرى كبير بذله المؤلف خالد، والرسام عفت، وصانع الغلاف ومخرج الكتاب: أحمد عاطف مجاهد، الكتاب يصدر ضمن سلسلة «ببساطة» التى هى جزء من مشروع «كتب للجميع» الذى يشكل فرعا من فروع الطموح الثقافى الكبير الذى يعمل عليه الخميسي:
مؤسسة «دوم» الثقافية.

 وكما شرح لى صاحب العمل فإن اسم «دوم» يأتى من الشجرة المصرية الخاصة «شجرة الدوم» صاحب الثمرة الجميلة ذات المذاق الذى لا ينسي. «دوم» ترى أن السياسة تكاد تبتلع كل اهتمام الناس وتشغل كل حياتهم.. وهى مؤسسة يقوم عليها نخبة من المثقفين الراغبين فى إحياء دور الثقافة والفن فى البلد، ذلك الدور الذى يذبل وينزوى فى دهاليز الحكومة وأدراج الموظفين.

حلم بارع باهر:
ليته يظل صلبا لامعا كثمر الدوم، الذى أظل إلى الأبد أحن إلى ملمسه ومذاقه،لكن دعنا نعود إلى «2011 : نقطة ومن أول السطر» .

المفاجأة ليست بسيطة، حيث يقول غلاف الكتاب الأخير:
هذا ليس كتابا عن الثورة المصرية.. وليس عن العرس الديمقراطي، وليس عن مبارك أو المجلس العسكرى أو الاخوان وخلافه، وغير «عابئ» بالأحزاب وبالائتلاف السياسية، ولم يتطرق الكتاب لحكايات المتظاهرين وأحلامهم.
وموضوعه بالتأكيد بعيد كل البعد عن توقعاتك!

رغم الصدمة التى تلقيتها. فإننى وجدت الكتاب ليس مجرد «لافت» ولكنه «مهم» يجب مناقشته والوقوف عند ما فيه من افكار وتوجهات، وعما يتخذه من أسلوب للنقاش:
السياسى أو الثقافي:
فأهم ما خرجت به من الصفحات الممتعة الـ 167:
انه لا يمكن الفصل بين السياسة الثقافية والثقافة السياسية!!

 هل. هذا كلام مفهوم بسيط!!

يتداخل رسم «عفت» الحر المعبر مع النص المحتشد بالمعلومات والمعارف التاريخية والسياسية والثقافية التى يقدمها الاستاذ خالد الخميسى على مدى ثلاثة فصول
 الأول: ليس «حوليات» 2011: وحوليات إن كنت لا تعرف تعنى كتابة تاريخية للأحداث بترتيب زمني: هكذا يقول المؤلف ساخرا، ولكنه يقدم فى الفصل الأول كما هائلا من المعلومات عن الاحتجاجات والمظاهرات والثورات، التى شملت ليس 2011 فى كل انحاء العالم، ولكنها تتابعت خلال ثلاث موجات كبرى موجة من 1916 ـ 1923، ثم موجة 1968 حتى وصلنا إلى موجة 2011 محل السؤال التى تطرح عشرات الاحتمالات.

أختلف مع الأستاذ خالد: فى الجملة الأولى التى تقول
«كان عام 2011 هو عام الأسئلة بلا منازع:
 كانت علامات الاستفهام تتصاعد كالأبخرة فوق رءوس المواطنين وهم يحتلون الشوارع والميادين».

 هل كان كل هذا الغضب: أبخرة اسئلة!
وهل كان الفرح الذى غمر النفس بالانجاز البسيط الذى تم بإبعاد مبارك حتى إلى شرم الشيخ، هل كان أبخرة اسئلة؟

إذا كانت الحياة تعني: أن تسأل فقد كان البلد يسأل؟
 ولكنها كانت تتطلب.. وتحلم.. وترى من بعيد ما تريد!
لا اعتقد أن كل هذا كان مجرد سؤال. أم أنه كان مؤامرة!!

 الفصل الثانى عن : إدارة علاقة الناس بالزمن والمكان وفيه شرح مفيد ممتع للسلطات الثلاث:
السلطة الدينية، والسلطة العسكرية، وسلطة المال والتجارة.
وفى الفصل شرح وتسجيل بالكلمة مع الصورة لحركات الرفض والغضب الذى يجتاح البشرية رغبة فى الوصول إلى حياة أفضل.

الفصل الثالث والأخير.
مهم ومؤلم، ويشير إلى ضرورة أن تفهم معنى الكلمة التى استخدمتها فى العنوان «كلمة التفكير النقدي»

 أهم ما فى الكتاب:ـ
وأظن أن هذا يكفيه ـ هو الإشارة إلى ضرورة أن ندرب أنفسنا على «التفكير النقدي» وليس هناك حكم مطلق!!
وليس هناك تفسير واحد نهائى لأى شيء.. لم يعد هذا ممكنا الآن فى ظل عالم نسبى وعالم من الشبكات.

يقول الكتاب فى صفحة 146عن «الاغتراب» وهى كلمة مازالت تحيرنى بعد أن بلغت من العمر أرذله:
«يسحق واقع المدينة الجديد إنسانيتنا.. عالم غريب، قاس، لا يفهم، تشويه البيئة الحضرية لتكويناتنا النفسية التى تكيفت على مدى التاريخ مع البيئة الريفية أو الجبلية أو الصحراوية.. من هنا تأتى عزلتهم، ومن ثم اغترابهم:.

 ثم يقول فى الصفحة التالية 147 عن ارتفاع معدلات البطالة: 

«لن أذكر هنا احصائيات لأننى لا أثق فى الاحصائيات الخاصة بالبطالة».

 أول تدريبات التفكير النقدى الشك!
 أثار الكتاب الشك فى أشياء كثيرة، ولكنه لم يفعل ذلك ببساطة.
أفهم البساطة على أنها أعلى مراحل الفن وهى سر كبير من أسرار الجمال.

 أخيرا أشكر لخالد الخميسى جهده، و«لدوم» الطموح والصلابة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر فى الأهرام بتاريخ 3 أغسطس2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق