الأربعاء، 2 يوليو 2014

الخروج فى النهار





العثور على الشاعر «محمد رياض» وديوانه الصغير:
الخروج الى النهار، كان حدثا جميلا وممتعا فى أيامى المزدحمة الصاخبة المرتبكة هذه: كأنى عثرت
على مكان نظيف.. حسن الإضاءة كما يقول عنوان
«قصة هيمجواي».

الديوان عن ثورة مصر فى يناير 2011:
عن ايام الميدان خلال صفحات الديوان التى لاتتجاوز
 الـ 70 صفحة تعود إلى 18 يوما وما بعدها وقد تحولت الأحداث والصور والأفكار الى موسيقى جديدة جميلة وصادقة، أحيانا صاخبة صادمة ولكنها دائما موسيقي:
 تحمل الميدان الى الدنيا، وتحمل الدنيا الى الميدان والشوارع..
... ونمت على صخرة فى البراري

وكنت أعرف أين تختبيء الثعالب

ومتى تبيض الثعابين

لأسرق حلمها باتساع الشر

كنت ملاكا مشردا

أتغذى على التوت والجميز والخرافة

وأسبح حتى أذوب فى الماء والشمس.

كتب لى الشاعر محمد رياض يحدثنى فى كرم عن نفسه:
«الخروج الى النهار» (دار ميرت. القاهرة 2014) هو عملى الشعرى الأول والأخير حتى الآن.

قصائدى قبل الديوان أراها الآن كأنها اطفال ولدت دون افواه تعبر عن مشاعرها بقوة الصراخ، لكننى أعتقد أننى أمتلك تجربة مع الشعر استغرقت مساحة لابأس بها من سنوات عمرى الست والثلاثين.


ولدت فى «جمجرة القديمة» قرية تابعة لمركز بنها محافظة القليوبية، تخرجت فى قسم اللغة العربية بكلية التربية، وفى المدينة التى تبعد عن قريتى 5 كيلو مترات بدأت علاقتى بالشعر، كنت أيام الثانوى مولعا بأرثر رامبو: مغامرا وشاعرا، أتذكر قراءاتى وقتها: جبران، الأعمال المترجمة، أمل، وصلاح عبد الصبور، أحببت أعماله النثرية، ربما أكثر من شعره، عرفنى عبد الصبور فى مقالاته البديعة بأعظم كتاب العالم، هؤلاء الذين يتوجب على أن أقترب منهم بعناية واهتمام وثقة، وهكذا قرأت: شكسبير، وكازانزاكي، وتشيكوف، وديستوينسكي، وماياكوفسكي، وكل من استطعت أن أصل اليه من كتابه المفضلين، الآن أرى هذه السنوات المزدهرة بدهشة القراءة ومغامرة الحلم والاكتشاف أراها بعيدة بالفعل الآن أعمل «ديسكاويا» بجريدة «المصرى اليوم» المهنة التى أمارسها منذ 7 سنوات. الديسكاوى أحد المعذبين فى مهنة الصحافة، هو الذى يصوغ عناوين التقارير، ويضبط متن الأخبار، ويعدل فى بنائها ويضيف ويحذف ويوجه. هكذا أصبحت واحدا ممن صاغوا عناوين الثورة، أجمل الأحداث التى قد تعصف بشاب قضى كل سنوات عمره تقريبا تحت الحكم المباركي، وبعد مرور الحدث الرئيسي، اعتصام الـ 18 يوما بشهور، كنت أسجل فيما يشبه السرد الذاتي، تجربتى فى أثناء الثورة.


فى الجريدة وفى الميدان:
 لم أكن أدرك فى البداية أنه وقت الشعر وحده. مدفوعا بقوة غامضة كتبت «الخروج فى النهار» دفعة واحدة كأننى أستعرض شريطا سينمائيا، ما فعلته هو أننى كتبت ما رأيته بعينى فى المعارك والزحام، وقتها بدت كل سنوات الحكم المباركي، السنوات الرتيبة التى شهدت طفولتى وتاريخى وقصائدى كلها، بدت شائهة بلا قيمة.. الآن عثرت على صوتى الحقيقي، وأدخلتنى الثورة فى تجربة لا تخص أحدا غيري»


الخروج فى النهار هو اسم من أسماء كتاب الموتي، هو بعث الميت عند المصريين القدماء هو خروجه من الموت الى عالم النور والخلود. والديوان الصغير من قصيدتين: الشاعر ينتصر. والخروج فى النهار، من المهم أن نذكر الإهداء فهو يقول: الى اوفيليا وشهداء 25 و 28 يناير فى السويس والاسكندرية والقاهرة، وشهداء مواقع «الجمل» ، «محمد محمود» الأولى والثانية، ومجلس الوزراء» و«ماسبيرو» و «العباسية» و«بورسعيد» والاتحادية :


ليس فى الديوان بعد ذلك صوت عال او صراخ او شعارات. عن الثورة يقول: لست آخر الموتى فالجثة التى عبرت قبل قليل/ خارجة من الميدان الى سيارة الاسعاف/ جثتي/ والذين يموتون يوميا فى عنابر المصابين/ خرجوا جميعا من دمى الغريب/ لقد فقدت عشرات العيون فى المظاهرات/ وجسدى ترسانة متنقلة بآلاف الطلقات.


(الثوار باسمون/ دقونهم نابتة كأشواك القناف/ جذابون، وعاطفيون، ومتفائلون/ حقيقيون بصورة غريبة/ حتى على الخيال/ ويستقبلون الرصاص بالوسامة التى يلطخها العناد/.... سيملك كل منكم نجمة فى السماء/ تضيء من أجله فقط/ وقبرا فخما وسط الحدائق/ لكى لا يرى الآخرون هشاشته وانهياره/ إننى مؤهل فى هذه اللحظة/ لأن أكتب المستقبل/ أكتب الأولاد القادمين، والشوارع المفتوحة على اللانهاية/ والموسيقى التى تطل من جميع الشرفات/ والتماثيل التى تبتسم للعابرين/ وهى تشير بعلامة النصر. الديوان كما قال صاحبه، سيناريو متصل لايتوقف، مروى بضمير المتكلم: أنا الشعر الثائر العاشق الشهيد، المتراجع، المأزوم، المتردد الشجاع كرة من الحرير والمخالب هو الجموع والفرد. وعن النخبة يقول: نقامر على حياتنا بعلب السجائر/ نحن المزيفين/ مجتمع النخبة المثقفة/ ومنظرى الهلاك والانحلال/ لاتنظروا الينا كى لاتتشقق أرواحنا كالمنازل القديمة/ لاتقرأوا أشعارنا أبدا/ ولاتحكوا أى شيء عنا/ لاتكتبونا/ الكتابة بؤس هائل، والهتاف احتفال.


ليست المأساة أن نتألم للشهادة/ ونضع شريطا أسود فوق صورة الماضي/ ثم نبحر هادئين فى برودة الحزن/ المأساة أن دما علق فى وجوهنا/ مثل شارة الحداد/ وكل مياه العالم لن نمحو صورتنا فى المرايا/ لكنها ستجعل عارنا أكثر تألقا.


بعد الأهداء أضاف محمد رياض كلمة لـ «تشى جيفارا» تقول «دعنى أقل لك، مخاطرا أن أقع فى السخافة: أن الثورى الحقيقى تقوده مشاعر عميقة من الحب».


هل يجوز لى أن أقول فى النهاية: القصيدة والثورة فى هذه الصفحات شيء واحد. وأقول مع الشاعر لا الشعر ولا الثورة سينتهيان من العالم. سنجد طرقا جديدة للتعبير عن الأحداث والرغبات والمشاعر نفسها ستظل القصيدة سيدة حتى لو نكلنا جميعا بها، وشو هنا وجهها بالعابنا الشريرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 نشر فى الأهرام بتاريخ 2 يوليو 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق