السبت، 3 أغسطس 2013

أكتب لرفاق الروح

                     


كتاب مهم ومثير، اجتمع فيه الموضوع الشائك، والشكل التجريبى: وكاتبته أيضاً مختلف عليها.

 «أن تقرأ لوليتا فى طهران» سيرة فى كتاب، وتاريخ للثورة الإيرانية من خلال مجموعة من الكتب والروايات التى تقوم المؤلفة «أذر نفيسى» بتدريسها لعدد من الطالبات الإيرانيات اللائى يحاولن الإبقاء على صلتهن بالفكر والثقافة تحت نظام ظلامى قامع.
عندما قامت الثورة الإسلامية 1979 تغير كل شىء فى الحياة فجأة وبعنف شديد.

 يذكر التاريخ تحالفات وتوافقات سياسية..
 ويذكر كيف تمت تصفية هذه التحالفات بسرعة وعنف لصالح التيار الإسلامى المتشدد.

 وكانت السيدة «أذر نفيسى» فى ذلك الوقت تقوم بتدريس الأدب الإنجليزى فى جامعة طهران، قاومت لفترة القواعد الصارمة التى فُرضت على المناهج، ثم فُرضت عليها هى من حيث ضرورة ارتداء الحجاب الكامل، ولما رفضت دُفعت إلى الاستقالة واكتفت باختيار 7 تلميذات«فتيات متفردات ذوات طبيعة خاصة يجمعن بين الرهافة والشجاعة»كانت تجتمع بهن كل خميس فى بيتها ليدرسن منهجاً فى الأدب الإنجليزى وضعته هى يشمل:
نابكوف الأديب الروسى الأمريكى «صاحب تجارب مهمة وأساسية فى الرواية الحديثة.

 اشتهرت له روايته ذائعة الصيت لوليتا، وكذلك فيتز جرالد «صاحب جاتسبى العظيم»، وكذلك «جيمس وأوستن» لقد وضعت هى هذا المنهج فى اختيار وتحايل فنى لكى تتمكن مع الطالبات من مناقشة الموقف الملتبس والمرتبك من:
 الفن والأدب أولاً، ثم ثانياً من الحضارة الغربية ككل، وثالثاً ترتيب منظومات القيم المختلفة بين الشرق الإسلامى المتشدد والحضارة الغربية فى أطوارها الراهنة.

استطاعت «أذر نفيسى» (مواليد 1955 ابنة آخر محافظ لطهران فى ظل الشاه قبل الثورة، سليلة عائلة مثقفة لها مكانتها المادية والمعنوية فى الحضارة الفارسية القديمة) استطاعت فى هذا الكتاب المشكل النادر أن تقدم عملاً فنياً وفكرياً.

 فقد حافظت على شكل الرواية، وأكملت سيرة حياتها هى فى فترة صعبة مختلطة مرتبكة، كما قدمت صورة لطهران فى ظل سنوات الثورة الأولى حتى غادرت إيران إلى الولايات المتحدة 1997 وكتبت كتابها هذا 2003 ثم أعقبته بكتاب آخر بعنوان «أشياء مسكوت عنها» 2007.

 وقد أثارت كتبها كثيراً من النقد والاحتجاج، لكنها تميزت بالصدق والحرارة والفنية العالية.
 تقول أذر نفيسى:الأدب هو احتفال بالحياة.
 والكتب لها بعض القدرة على إنقاذ الكرامة المهدرة.
 أنا لا أكتب للإيرانيين أو للأمريكان ولكننى أكتب لرفاق الروح، لقد تركت إيران ولكن إيران لم تتركنى.
عرفت فى هذه البلاد التى كانت بلادى أن هناك دولة للكلمات ودولة للواقع.
 جاء إلينا متشدد، داعية، ملك، فيلسوف جاء ليحكم أرضنا باسم ماض سُرق منه حسبما يدعى.

 هو الآن يعيد صياغتنا على طراز ذلك الماضى المزعوم.
هل من عزاء أن نقول إننا نحن الذين سمحنا له بذلك؟
 لا أريد حتى أن أتذكر هذه الحقيقة!.

أفضل وسيلة لكى أشرح حجم التناقضات التى عشناها أن أحكى بعض النوادر:
 رقيب الأفلام حتى 1994 كان كفيفاً، وبعد ذلك عُين رئيساً للقناة التليفزيونية الجديدة، كان يمارس عمله عن طريق شرائط صوت ومرافق يشرح.
كان رئيس القسم يحاول أن يجعلنى أفهم ما الذى يعنيه الإسلام السياسى.

 وكان هذا تحديداً هو ما أرفضه.
 وحدثته عن جدتى التى لم أعرف فى حياتى مسلمة فى مثل ورعها وتقواها.
 كانت مستاءة جداً من فكرة أن حجابها الذى هو بمثابة رمز للعلاقة المقدسة بينها وبين الله قد أصبح فى ذلك الوقت أداة بيد السلطة، جاعلين من النسوة اللاتى ارتدينه رموزاً وشعارات سياسية.
 إلى أين يتجه ولاؤك يا سيدى:
 إلى الإسلام.. أم إلى الدولة؟
عاشت أذر نفيسى، ووصفت فى كتابها هذا حرب السنوات الثمانى بين إيران والعراق.
 وكان النظام يرفع شعار:
 هذه الحرب خير وبركة لهذا الشعب، وفى النهاية قرر النظام زحف الشهداء.

 آلاف الشيوخ والأطفال يقطعون بلا أى غطاء حقول الألغام تحت قصف الصواريخ وتقول الكاتبة فى تفجع لا حل له:
- أخبرنى يا رفيقى القديم ما الذى نفعله بكل تلك الجثث التى بين أيدينا؟
كانت تعليمات الحرس الثورى للنساء أن يرتدين ملابس محتشمة لكى يكون حال الجثة لائقاً.

لم أكن أخاف من الرصاص، ولكننى صرت أخاف من غياب صورة المستقبل من أمامى.
قرب نهاية كتابها الكبير «580 صفحة» تروى أذر نفيسى قصة واحد من طلبتها، كان من المحاربين القدماء الذين عاشوا كل أهوال الحرب.

 وظل بعد الحرب من أفراد الحرس الثورى فى الجامعة:
 جاء مبكراً إلى الجامعة.
 دخل إلى قاعة خالية معه عبوتان من الكازولين.
 صب الكازولين على رأسه، وأشعل الكبريت..
وكانت آخر خطبه الحماسية:
- لقد خاننا الخونة.. لقد كذبوا علينا.. انظروا إلى ما فعلوه بنا.
من فارس.. من أرض.. حافظ، وسعدى، والرومى، والخيام، والنظامى، والعطار والبيهقى.

 جاء هذا الكتاب الذى يثير كثيراً من النقاش الفكرى والفنى. قامت بالترجمة عن الإنجليزية شاعرة عراقية مقيمة فى القاهرة هى: الأستاذة ريم قيس كبه لكى يجمع الكتاب مزيداً من الشجون والأحزان.

رغم كل شىء فإن الأدب قادر على أن يحول حتى المآسى إلى جواهر ساطعة.
«أن تقرأ لوليتا فى طهران». أذر نفيسى .
 منشورات الجمل 2011

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في جريدة المصري  بتاريخ 3 أغسطس 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق