الأحد، 25 أغسطس 2013

أصله ثابت وفرعه فى السماء

            
                

الحمد لله..
 الأعمال الكاملة للشاعر فؤاد حداد الآن بين يدى القارئ العربى فى اثنى عشر مجلداً: تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

 هى نتيجة عمل متواصل لمدة تزيد على ربع قرن من أبناء الشاعر الثلاثة: سليم، وأمين، وحسن،وهم يتقدمون بالشكر أولاً للسيدة الوالدة العزيزة المرحومة«زكية إسماعيل»، التى عملت على حفظ هذا التراث، كما عملت على تشجيعهم طوال هذا الوقت لإنجاز هذا العمل الضخم، ويتقدمون بالشكر للدكتور «أحمد مجاهد» الذى ذلل كل الصعاب ليخرج العمل فى هذه الصورة المشرفة.

كان من الضرورى من هذه البداية لأننا أمام إنجاز نادر جاء فى وقته تماماً، رغم كل ظروف البلد، أعتقد أننا الآن فى أشد الحاجة لهذا الصوت، وهذه القيمة.

 فى حاجة حقيقية لمراجعة ليس فقط شعر فؤاد حداد:
 ولكن لكل القيم التى مثلها والتى دافع عنها والتى دفع من أجلها حياته، والتى تلخصت فى معنيين: الشعر «الفن» والعدالة الإنسانية «إنصاف الغلابة»

حلم فؤاد حداد وهو طفل بأن يكون فارساً وأن يحرر العالم وأظنه لم يقاوم هذا الحلم ولم ينحرف عنه أو يسعى إلى شىء مخالف.
 ظل حياته كلها كائناً نادراً، حالماً، نظيفاً، عاملاً، قادراً منجزاً. الإنجاز الشعرى والقيمى «القيم التى عمل بها ودافع عنها» لا يوجد فى الاثنى عشر مجلداً فقط ولكنه موجود فى أمواج البشر الذين يناديهم صوته وشعره ومعانيه التى تعيد تنقية الحياة وتستخرج منها جمالاً إلهياً يحاول أن يطمره غبار الأيام والأحداث والأخلاق.
اللغة التى يكتب بها هى لغته.

لها جلال ومدارات.
 يقول: لا عامية. إنها عربية. ابنة اللغة العربية الفصحى.
 لا داعى لكى نصطنع خلافاً أو اختلافاً يقول عنه بيرم التونسى: هو أشعر الشعراء.
 هو أبوالشعراء.
 قطع رحلة حرة طويلة صنع فيها نفسه وأفكاره.

 كان شيوعياً، متديناً، وكان يصلى، وكانت له قضية واحدة: الشعر وإنصاف الناس، اعتقل عام 1953 إلى 1956 ثم مرة أخرى 1959 إلى 1964 فى السجن (سجنونى بنيل وطمى عجنونى) «مواليد أكتوبر 1927: تركنا فى نوفمبر 1985».
هو المسحراتى. هو صاحب الحضرة الذكية. صاحب أجمل قصيدة أعرفها عن أبى بكر الصديق.

ولقيتنى زى الجمل طالع جبل قلقان
ما يعرف البحر غير اللى أتولد غرقان
من أين تصدر أنغام وتصاوير وأفكار هذا الرجل!
بعد هزيمة 67، وسط الصمت والاكتئاب، أذاع
«من نور الخيال» وعندما سقط عبدالناصر أصدر واحدة من أشد المراثى العربية صدقاً وألماً:
 سماها: «استشهاد جمال عبدالناصر» قرر فيها أهم الأفكار والأقوال التى مازلنا نعيش عليها حتى الآن: لازم تعيش المقاومة- الأرض بتتكلم عربى، ثم ذلك المقطع المحير المتكرر الذى يلخص مسألة عبدالناصر كلها:
مين اللى أكبر
مقامك فى قلوب الناس ولا مقامهم فى قلبك؟!
بعد رحيل ناصر ودخول البلاد فى مراحل التبعية والانفتاح والفساد أصيبت روح الشاعر «بالدوخة»، وصار غير قادر على الخروج إلى الشارع وحده، كان يخرج مع: أمين حداد أو مع صديقنا الراحل «عبدالمنعم سعودى»، صمت طويل، أعقبه نشاط حاد، كان يكتب الشعر ليل نهار.

 يجد القصائد على المنضدة، وتحت المخدة فى السرير.
 «اسمى بإذن الله خالد. وشعرى مفرود الرقبة ذى الألف ورقم واحد والساعة 6 فى ميدان العتبة».

 
أسعدنى زمانى بأن عاصرت الفترة التى كتب فيها صفحته
«فى صباح الخير»، قال الشاعر، وبدأ إعداد ديوان(الحماسة الجديدة)، وقد توقفت طويلاً عند المعانى التى طرحها عندما كتب صفحته عن «صلاح جاهين» الذى كان يمر بفترة توقف فيها عن الكتابة، يقول فؤاد حداد لصلاح جاهين:
إن مصر تريد من صلاح جاهين أن يعود إلى الفناء، إن مصر لا تتوسل إليه بل تأمره!

وفى عذوبة ورقة وحنان الأستاذ يقول لصلاح:
.. آه من حلاوة كلمات صلاح جاهين:
ما أطيب وما أرق وما أبهى وما أبهج:
 يا خفيف الظل يا مصر الجميلة. ثم يقول الأستاذ فؤاد حداد: يستطيع شعر صلاح أن يعبر عن كل الأشياء:
 الفرح والحزن والضحك والبكاء ومتعة الحياة ورزق الاستشهاد، واللحظة العابرة والخلود الباقى.

ثم يضىء لنا بنقده وبصيرته: الوظيفة التى تقوم بها كلمة «عجبى» فى نهاية رباعيات جاهين:
«إنه يرد إليك أنفاسك عندما يختم كل رباعية بلازمة الدهشة المطمئنة والقلق المريح: عجبى!».

هل رأيت فهماً للكلمات وللشعر أجمل وأدق من هذا.
ثم يختار فؤاد حداد أبياتاً لجاهين تجمع شمل الوطن وتعيدنا إلى زمن نتحسر على صدقه وحقيقته.

يختار فؤاد حداد هذه الكلمات من شعر جاهين:
يا ساكنين الصفيح
أنا منيش المسيح
علشان أقول طوبى لكم غلبكم
لكنى بأحلف بكم
الدنيا كدب فى كدب وإنتو بصحيح.

الحمد لله صدرت أعمال فؤاد حداد كلها «ومعها كل المترجمات» صار عندنا كنز.
 وصار فى بيتى فن ينضم إلى الفن المصرى القديم:
الذى قال عنه «أندريه مالرو» فى كتاب لا مذكرات الذى ترجمه الأستاذ فؤاد:
«فن مصر القديمة: فن مقدس: عارض الموت والفناء».
فؤاد حداد. الأعمال الكاملة «12 مجلداً»
الهيئة المصرية العامة للكتاب 2012

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في جريدة المصري اليوم بتاريخ 25 أغسطس 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق