الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

أسيوطى ضائع فى أثينا










قدم عادل سعد كتابا جديدا صدر عن روايات الهلال يحمل عنوانا لافتا: رمضان المسيحى.

الكتاب جديد لأنه يقوم على تجربة ناجحة مثيرة يخلط فيها - فى ذكاء وبراعة - بين الأدب والتحقيق الصحفى الناجح. الكاتب يحمل قدرة على السخرية وذكاء الملاحظة. مع المحافظة على إيقاع سريع لاهث يمتد طوال العمل (124 صفحة).

تحكى الرواية التحقيق حكاية الأسيوطى التائه فى اليونان: هكذا تبدأ رحلة الخروج:
على نصار ينظم رحلة علمية سنويا يخاطب جامعة يونانية ويطلب زيارتها مع الطلاب فى الاجازة الصيفية ويحصل على موافقتها، لتفتح أبواب تأشيرة السفارة.

وكان الرجل واضحا من أول لحظة: الفرد ألفان من الجنيهات. غير تذاكر السفر، وأسعارها سيحددها الزملاء، عقب استيفاء الأوراق: جواز السفر جماعي، ومن حقك الحصول على صورة منه فى أثينا، الإقامة بالفندق ثلاثة أيام بدون أكل، بعدها: أنت وشطارتك.

هكذا سافر فريق كرة اليد الصعيدى إلى اليونان:
على نصار كان يقف داخل بدلة بنية يعاقب عليها القانون نسيجها يلمع كالزجاج، صعيديا شنف يربط على جمجمته السوداء، بلون التراب نظارة من البلاستيك الأصفر الرخيص، ومن عنقه النحيل تسقط كرافتة مضغها، كلب. لا يتحدث كثيرا لا يجادل. تلك رحلته الخامسة التى تتكرر سنويا على التوالي. وفى شركة الدكتور اثنان من الطلبة المعاونين بأسيوط لجمع الأموال والصور، وتخليص الأوراق، واثنان مثلهما فى أثينا لنفس الغرض.

الأستاذ نصار متخصص فى تطوير المحاصيل الزراعية كان يتعامل معنا كالنباتات يزرعها ويحصدها وهكذا بمجرد دخولنا للجامعة، حصل من كل واحد على ألفين من الجنيهات، وألف أخمرى زائدة على التذاكر. كان يربح فى رحلة لا يستغرق الأعداد لها أكثر من شهر واحد ربع مليون جنيه، وهو لا يعرف كيف يسكن داخل القميص والبنطلون.

بعد أيام ثلاثة فى فندق كوزمو يفتح القفص لتنطلق الفراخ المحبوسة، أوالفئران الجائعة للجنس والمال والطعام الجيد. الحالمة بالنعيم، الهاربة من جحيم الفقر، يبدأ كتابه بالمفاجأة الصادمة:
وسط عدسات التليفزيون. تناول القربان ليولد على الهواء مباشرة مسيحيا من جديد، وبعد مراسم تغطيسه وتعميده، انحنى خاضعا، ولما نهض رسم البطرك علامة التثليث على صدره. وأعلنت المذيعة فى وقار وهى تتابع طقوس الكنيسة البطيئة: رمضان تذوق قطعة صغيرة ورقيقة من خبز (البرشان) مغموسة فى القليل من الخمر الذى يمثل دم المسيح. رمضان الآن صار واحدا من ابناء الكنيسة تعمد ببيت الرب، وتناول القربان المقدس. ونال بركة سر الافخار ستيا وحرصا على حياته: صار فى حماية اليونان. لاجئا سياسيا: لأن - الهمج - قد يقتلونه كأحد المرتدين.

خرج رمضان الجديد يحتفل مع الزملاء الذين أوسعوه سبابا وإهانة. وهو يشرب الرتسينا نبيذ اليونان: قال الدين فى القلب وأنا مسلم أكثر منكم. ربنا قال فيه جنة ونار.

الجنة نسوان وماتيلدا ووسكى ومارلبورو وفراخ وخوخ، والنار هناك فى الأوضة الحر. وأمى الزهقانة وريحة البول ومراتى والأربع عيال وبوابير الجاز والفول والطعمية والسجاير الفرط، والموت فى خنقة الأتوبيس.


العمل مليء بالذكاء والحساسية، ولكن الكاتب لم يوفق فى جمع أحداث الرواية فى بناء كامل كان من الممكن أن يصنع منها رواية حديثة مهمة، تعالج من زاوية جديدة. موضوع مهم: الحل فى ضرورة احكام البناء الروائي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في جريدة الأهرام بتاريخ 21 اكتوبر 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق