الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

أحزان منى حلمى







أتسلل - إلى حضن أمى - المعطر بالدفء والكرامة - تزيح عنها الغطاء - لتغطينى - تطفىء النور - لتنير أحلامى - تضع يدها - على رأسى - فيرحل التعب - إلى موطنه الأصلى.


هذه هى القطعة (210) من كتاب الأحزان الذى أخرجته الكاتبة والشاعرة (منى حلمى) بعنوان مؤلم عن دار ابن رشد هذا العام: رجل أنزفه حتى آخر العمر الكتاب أصوات نعى وعشق ومحبة للدكتور الراحل محمد فتوح (6 يناير 1955 - 13 أكتوبر 2008) كلمات من نار ونور، لن تصل اليه فى قريته الدراكسه - دقهلية تقول د. منى: إلى توأم روحى، وزهرة عمرى ونزفى حتى الموت. محمد. رحلت فماتت حياتى إليك. فى مثواك الأخير أهدى هذا الكتاب وكل ما تبقى من عمرى.

ثم تمد الشاعرة الحزينة صورة الإهداء الطويل، كأنها ترسم صورة علاقة وحياة فتقول: إلى الشيخ فتوح والد محمد مؤذن جامع الدراكسة: رمز الإستنارة الدينىة والتواضع والاستغناء والرحابة الإنسانية عنه ورث محمد حلاوة الصوت وعزة النفس، إلى الست عزيزة. والدة محمد مثال المرأة الطموح والأمومة الواعية عنها ورث محمد التحدى والدأب. ثم عائلة محمد: عطيات ومسرات وهدايات، ونجاة وعفاف، رحلت مبكرا وهويدا: أخوات محمد منهن تعلمت العطاء أحسست بينهن بالدفء.

توفى الدكتور محمد مبكرا أثر عملية معقدة فى الكبد حدث فيها عمليات أهمال وتلوث). ثم تمد الزوجة العاشقة المكلومة الأهداء الذى يرسم صورة حياة عائلتها هى فتقول: إلى نوال السعداوى، أمى، كم أنا محظوظة لأننى تشكلت فى أحشائها، الى عاطف حتاتة، أخى، لو لم يكن أخى لتمنيت أحمل أسمه، ثم إلى أحمد حلمى أبى الذى أحمل اسمه ولم أعشه معه.

يرسم هذا الإهداء الشعرى التصويرى الطويل، مقدمة، أو مدخلا لحكاية لم تقصها الشاعرة عن علاقة حب نادرة وزواج قصير فى شقة ترى النيل، وحب يسكنه صوت أسمهان الساحر، وعود القصبجى المعجزة لأيام قصيرة ويختفى الحبيب، وتبقى النافذة التى تطل على النيل لا ترى شيئا ويبقى باب الشقة مفتوحا والعود مهجورا، ويكف صوت أسمهان عن ترجيع صدى الطيور والكروان وتسأل العاشقة الوحيدة:
حين أسأل - إلى أين أخذك الموت؟ - يقولون إلى السماء - حتى في الموت يكذبون - إذا كنت حقا - فى السماء - لماذا حين تمطر - لا أشم رائحتك.

تقول منى حلمى عن كتابها هذا كلمات واعية خارج الحزن واللوعة تقول: إعطاء اسم للقصيدة يسجنها فى معنى واحد. القصائد ترسل إيحاءات، وتصنع الدهشة، وتعيد صياغة الأسئلة. وتخترق المشاعر المكتومة اكثر مما يتحدد بمعنى واحد. مفروض مسبقا. من الشاعرة أو الشاعر. فى هذا الكتاب تتحرر القصيدة من استبداد الإطارات الضيقة كى تحلق فى فضاءات متنوعة تنوع الأفكار، والأمزجة والتجارب والطباع والفرح والأحزان.

هذا الكتاب الفريد دفعنى الى التفكير فى اتجاهات كثيرة: فى الدكتور الذى رحل فى مأساة صامتة، وفى الشاعرة الكاتبة والأستاذة المفكرة التى لابد أن تخرج من هذه التجربة القاسية بأفكار جديدة عن الحياة والكتابة والشعر. وأن تستمر فى السباحة التى تخرج منها دائما جديدة وحرة ومفكرة. وأن تظل تقول:
أجمل من الحياة
الكتابة عن الحياة

كل من يعرفك ويقرأ لك فى انتظار كتابة جديدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في جريدة الأهرام بتاريخ 4 نوفمبر 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق