الأربعاء، 6 مايو 2015

الأسماك تضىء.. أيضاً

             



تحت هذا العنوان اللافت الجميل قدم الكاتب المقتدر
«محمد سامى البوهى روايته الجديدة »الاسماك تضىء أيضاً«
 هى عمله الرابع أوالخامس.

والبوهى مواليد دمياط 1977 وأظنة مازال يعمل فى الصحافة فى الكويت.
أعماله المنشورة تمتاز بنوع خاص من التجريب الجديد، الباحث عن شكل خاص لمادة موضوعاته الواقعية الصادقة وهو يحاول التعبير عن الواقع المرتبك الصاخب الذى تعيشه الروح ـ بل والمجتمع المصرى منذ سنوات.

جرب كتابة القصة، والرواية القصيرة، وجرب طرق الكتابة الساخرة، وفى عمله هذا «الأسماك تضىء أيضاً» جرب فى نجاح شكل «الرواية الواقعية» تميل فى روح الكتابة الى الواقعية السحرية التى انطلق بها أدب أمريكا اللاتينية الى آفاق رحبة من اعادة تشكيل الواقع دون غموض ولكن فى صدق وحرارة تبحث فى وجود الشخصيات فى مكان وزمان حى ومتحرك.

صدرت روايته هذه فى العام الماضى
(2014 ـ عن دار نون للنشر) وقد استمتعت بمعايشتها مستمعا الى صوت أدبى جديد، ينقل فى حرارة الحالة الخاصة التى تعيشها منطقة بحيرة المنزلة ـ وجزرها المنعزلة وحياة الصيادين الكادحين التى زادت قسوتها وارتباكها فى سنوات ما بعد الثورة وحالات الانفلات الأمنى والاجتماعى وتبدل القيم

بعد أن دار بك العمل فى تشكيل فنى حول فكرة «النور»: من الفنار البعيد الذى يعيش فيه بطل الرواية
(ليس فى الرواية بطل : المكان هو البطل) يخرج موظف الفنار الذى يهدى السفن فى مداخل البحر الاحمر ـ يعود موظف الفنار بعد أن بلغ الستين إلى السويس ليقبض المعاش ومكافأة نهاية الخدمة، ويعود إلى أصوله فى الجزيرة المنفية فى قلب البحيرة ـ فى بحيرة المنزلة تغير كل شئ.

 لم يعد الشباب راغبا فى العمل، وفى الصيد والبحث الكادح عن الرزق الحلال.

أصبح تهريب السولار والمخدرات والبلطجة تزيد الواقع قبحا وبؤسا كما أصبح سقف بيته المتواضع لايحمى عائلته من المطر وابنه الذى كان يحلم بأن يتم بناء قاربه الصغير ليعمل عليه ويصبح مركب الريس جابر، وترك هذا الحلم الشاق وأصبح يسهر فى المقهى لتدبير تهريب السولار إلى السفن، ويحقق ربحه الحرام الهائل فى أيام يحمل الرجل حفيده ـ ابن جابر ـ ويخرج إلى عالم الرواية:

هكذا يبنى البوهى عالمه:
«نزلنا إلى قارب بدائى يلمع بين سواد الليل المنجلى، وبياض النهار المقبل بقوة كنا قد وجدناه رأسيا على الشاطئ. جلست فى مواجهة جابر أحمل حفيدى وأمرته بأن يجدف بسرعة ناحية اللسان، حتى لحقنا بأول شعاع أرسلته الشمس إلى الأرض. فوقعنا فى قلب المربع الوجودى الأعظم، الضوء، والصوت، والملح، والعذب.

بعد أن توقفنا بالقارب عند مجمع البحرين كشفت الغطاء عن وجه حفيدى ليشهد لحظة ميلاد العالم ملأت راحة يدى اليمنى من ماء النيل، وبراحة يدى اليسرى اقتلعت حفنة من ماء البحر، وأفرغتهما فى الإناء النحاسى وكررت ذلك سبع مرات ثم همست فيه بالدعاء«ياواهب النور والظلام، يانور كل شئ، يامن بنوره نهتدى.. أذهب البلاء عن عبدك ولاتأخذه بذنوبنا، وطهره بنورك الذى لايستكين»

لعل هذا المقتطف الطويل الجميل أن ينقل الى القارئ بعضا من العالم الذى تأخذه اليه الرواية وتدور به من الفنار المتوحد الى القرية المتهالكة فى قلب البحيرة أو تهرب به إلى القوارب التى تخرج عن المياه الاقليمية وتطاردها قوات اسرائيل. فتستعيد الشخصيات تجارب مرة عندما وقع أحدهم فى الأسر هناك حيث سرقوا بعضاً من جسده الحى، كما يصحبك الكاتب فى فصول متسارعة الى الاسكندرية وبورسعيد فى صحبة بعض أبناء البحيرة العاملين فى خدمة السفن الكبيرة التى تذهب بهم إلى مارسيليا بل وباريس حيث يقع فى عشق جنية من جنيات البحر تعمل فى حى البغاء فى باريس ويعود بك الى أولياء الله المدفونين فى مقامات قديمة على الشواطئ البحيرة حذرها.

الثورة حاضرة أيضاً فى أيام البحيرة هى ثورة قامت وفى حاجة الى ثورة أخرى لتنتهى الأمل يداعب خيال الابطال جميعاً ولكن متى كان الامل يغير النهايات المحتومة.

والبحر قد أخذ الجد الكبير وجاء فى الحلم يزور رجل الفنار لكى يوصيه بالحفاظ على النور ، ولكن البحر لايأخذ إلا «الطيبين ليزدان بقلوبهم ويضع منها اللؤلؤ والمرجان. التعساء وحدهم هم من منحوا تلك الارض ملوحتها بعرقهم ودموعهم.

البحر يحملنا جميعا غنىا وفقيرا، ظالما ومظلوما وهو الحاكم الوحيد الذى يثور على نفسه فيطهر أحشاءه كلما أثقلها اللمم أما نحن فنظلم أنفسنا بما تصنعه ايدينا.

فى الاسكندرية يقابل «عادل» البطل الذى نعرف اسمه قبل النهاية بقليل ـ يقابل مغنىا عجوزا يعزف على العود لحن
(حب الوطن فرض عليا .. افديه بروحى وعنيا) فيقول لنفسه: الغناء للوطن حياة.. وطن أخر يحيا داخلنا. ابن الجزيرة المنسية فى قلب بحيرة المنزلة يقول لنفسه الوطن عندى صغير للغاية.
 أما الوطن الكبير فلا علم لى إلا بما يقفز منه أمامى الان فيبهرنى.

رواية جديدة مثيرة فى شكلها وأسلوب كتابتها وفيما تحاول أن تقوله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر فى الأهرام بتاريخ 6 مايو 2015 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق