الأربعاء، 20 مايو 2015

الوطن حاضر رغم البعاد




نتيجة بحث الصور عن الشاعر حمزة قناوي


الشاعر والكاتب حمزة قناوى (مواليد 1977) شاعر غزير الإنتاج وكاتب مجتهد مثير للجدل.

 فرغم عمله وبقائه خارج مصر (فى الإمارات) إلا أنه أصدر فى الآونة الأخيرة ثلاثة كتب أثارت جدلا فى الأوساط الثقافية المشغولة بإعادة ترتيب أوراقها بعد ثورة يناير ومعجزة يونيو.

أقصد كتابيه عن الفترة التى قضاها مساعدا للعالم اليسارى المصرى الراحل أنور عبدالملك، قدم عن هذه الفترة كتابين: المثقفون: أوراق شاب مصري.
دواوينه الشعرية بلغت 7 دواوين، أما آخر مواليده فهو الكتاب الصغير الجميل.. باتجاه الطريق، الذى يضم عشر لوحات قصصية قصيرة تمتاز بالحدة والشاعرية وبالصوت الجديد. اهدى كتابه »إلى البشر المتعبين والفقراء: ملح الأرض وزهورها.. ثم عاد فاهداه للدكتور سيد البحراوى الذى علمه ومازال يعلمه الكثير.

رغم غيابه عن مصر فهو موجود ومسموع فى مصر وفى العالم العربي، وكتابه الأخير باتجاه الطريق.منشور فى دار الثقافة الجديدة بشكل أكثر من أنيق.

وقد حصل حمزة رغم صغر سنه على عدد كبير من الجوائز داخل وخارج مصر.
لا أرى داعيا لنبرة الغضب التى تبدو أحيانا فى بعض أحاديثه الصحفية ليس هذا موضوعنا على أية حال!

يقول فى اللوحة القصصية التى تحمل عنوان المجموعة
»باتجاه الطريق«:
«قلتم لنا أن الأدب يغير العالم، العالم لا يتغير. الأدب صورة باهتة لحقيقة العالم القائمة على الفعل، القوة تحكم العالم وتحرك كل ما فيه حتى الأدب، أذكر لى نصا أدبيا حرر البشرية من الفقر؟».

يقول فى «حياة» أول القصص:
«سقراط الذى انتحر منذ خمسة وعشرين قرنا لم يثأر لموته حتى اليوم أحد، كأنما تجرع السم ليدافع عن حقيقة وإيمان سيظل العالم يكفر بهما عبر تتالى التاريخ لا العدل أرسى على الأرض ولا القوة هزمت المنطق.. بينهما فقط تترنح الحياة آخذة فى ترنحها ضحايا من الفقراء والمعدمين ومن رمتهم المصادفة على مذبح المواجهات». أكثر، لا أقول كل الشخوص فى اللوحات العشر من هؤلاء «الذين رمتهم المصادفة على مذبح المواجهات».
واحد: تزوج، وأنجب، ومات. وآخر يحل الكلمات المتقاطعة من المهد إلى اللحد، غافل عمن يستجير به وعن أولاده وعن أحفاده وحتى عن حياته وموته. ومن فشل فى مصارحة حبيبته حتى «فى الطريق إلى القوس الأخير من الحياة كان قلباهما يلتقيان فى أفق آخر، بعدما تبدد كل شيء وبقيت المسافات»!

يصف مدينة قاسية قريبة من البحر فيقول:
«واصلت المدينة مواتها بين البشر اللاهثين على الطرقات بحثا عن القوت والمتناثرين على الأطراف فى المحاجر والممددين على الأسرة فى البيوت الفقيرة والبحر لا يمنحها من بهائه سوى الزبد«.

ثم يقول عن بلدة أخري:
»ضج البلد بالثورة فظل يتابعها من خلف زجاج النافذة بعينين مندهشتين من البشر الذين يسيرون فى جماعات غاضبة كأنما يسعون لحتفهم بأنفسهم متسائلا من الذى يدفع إنسانا إلى المواجهة والموت من تلقاء نفسه، ما الذى يرغمه؟ رأى شبابا ممزقى الملابس وآخرين تسيل الدماء من وجوههم يركضون فى الشوارع أما بطل الكتاب كله أولا «بطله».

«فى السنوات الكثيرة» التى مرت لاحقا ظل على موقعه المطفأ من العالم مهادنا الحياة لا يعرف سوى طريق البيت والعمل وأرقام الحافلة التى تنقله بين المسارين«. لعل الكاتب حمزة قناوى أراد بتكرار هذه الصور السلبية القاتلة ان يبين حالة كرما فى المثقف المنعزل أو فى الإنسان الذين حرمتهم سنوات عجاف مر بها الوطن من الرغبة والقدرة على العمل الايجابى أو تذوق معنى آخر للحياة وسط الناس.

أن الذى لم يعد ممكنا هو الضحك!
فى الشعر تحرك الشاعر من فوق تلال أحزان صلاح عبدالصبور ليمد شاعريته إلى صخب أمل دنقل ورومانسية إبراهيم أبوسنة.

 يقول فى قصيدة شهيرة له حصلت على أكثر من جائزة عن الشهيد الطفل الذى أوجع موته صدر الأمة العربية من شرقها إلى غربها رغم اقامة حمزة قناوى فى الإمارات فإنه موجود فى الحياة الثقافية «فى الشمال الأفريقي»

يقول فى قصيدة: محمد جمال الدرة: آه .. يا ابت / أقبل الموت فى طلقة تنهب الأفق لاهثة نحو قلب/
كان خيطا من الضوء يخرج من جثة الطفل
يصعد نحو السماء / ويسطع فجرا على ظلمة الوطن المستلب.
فى الختام... نقف عند قصيدة جميلة مهداة إلى «أبى رحمه الله» عنوانها هذه هى الحياة، يصف فيه لحظات حزينة فى وداع والده فى بيتهم القديم فى «دير الملاك»
كان ضياء الشمس يلوح من نافذتي/ يمسح وجهى /حتى يطرد نوما يثقل فى الأحداق/ صوت تلاوة أمى للقرآن يسرى فى البيت بنور صاف/ كانت تدعو الله بأن يرحمنا بعد وفاة الأب
أمى كانت تقصد سعيي
سعيى اليائس منذ شهور خلف الرزق
وما من جدوى/ حتى ضاق العيش / وصار البيت ملاذ الفاقة والإملاق / قمت لكى اتهيأ لمواصلة السعى / أقبل أمى قبل رحيلى / يدفق من طيبة عينيها حنان رقراق
رحت أغادر بؤس البيت تجاه النور/ وداخل روحى كان ظلام اليأس/ يسافر فى الأعماق.

شاعرا وكاتبا يملك حمزة قناوى قدرة على التوصيل البارع الحاد فى اقتصاد ووضوح موجع كاشف لمحنة المثقف العربى المعاصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر فى الأهرام بتاريخ 20 مايو 2015 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق