السبت، 7 يونيو 2014

لا شيء أقوى من أحلام النساء

    
                  

«المرأة آخر مستعمرات الرجل، هذه حقيقة يشعر بها الرجل، ويحس ثقلها، ويخاف من نتائجها. لذلك تراه يقاتل بكل قواه، على مختلف الجبهات، كى لا يسلم بخروج هذه (المستعمرة) من أملاكه- كى يمنع تحررها واستقلالها، أو يؤجل أحكام التاريخ عليه»- بهذه المقدمة الصادمة يقدم مركز دراسات الوحدة العربية كتابه الجديد. الذى يضم تسعة أبحاث سياسية واجتماعية عن وضع المرأة وحقوقها المنتهكة والمغتصبة، فى شرق العالم العربى وغربه. أبحاث علمية إحصائية موثقة مزعجة ومثيرة للتفكير، ولكنها تقدم فى الوقت نفسه تسجيلاً أميناً للتقدم والتأخر فى نيل الحقوق على الورق وفى النصوص والقوانين، وانتهاكها فى الواقع اليومى:
 داخل البيت، وفى العمل، وفى المجال العام والمشاركة السياسية، هناك مساحة شاسعة بين النص والواقع.
ليس الحديث عن وضع المرأة وحقوقها حديثاً فى موضوع جانبى أو نظرى، إنه موضوع يسكن قلب أفكار الثورة، والتنمة، والتغيير، لا تنمية من دون «مواطنة» ولا «مواطنة» من دون إرساء لديمقراطية تكفل حق الاختلاف، ودون مشاركة فاعلة لكل أطياف المجتمع المدنى فى صناعة القرار:
وغياب المرأة عن الاشتراك فى تسيير الشأن العام يعنى- بوعى أو بدون وعى- بقصد أو بدون قصدنا نصف المجتمع: نصف عقله، ونصف قوته: وأكثر من نصف مستقبله!
يستند قهر المرأة وانتهاك حقوقها فى كثير من الأحيان إلى حجج دينية مغلوطة، أو إلى قوانين يساء تفسيرها وإعمالها، أو إلى العرف. والمرأة العربية لا تملك فى مواجهة كل هذا سوى التمسك بـ«الحلم»، إنها تواجه كل قوى المجتمع الغاشمة:
بالإصرار على «الحلم بواقع جديد» واقع متخلص من أساطير: سلطة الذكر، وخلق حواء، وأطياف الحجاب الجسدى والاجتماعى، واستبدال: السيطرة والقهر بالمودة والرحمة.
 المرأة العربية: فى فلسطين والجزائر فى تونس ومصر قادرة رغم ضراوة الواقع، وتقلبات الأوضاع والسلطة، على الإصرار والتمسك بالحلم.
الأستاذة «دنيا الأمل إسماعيل» من فلسطين تقدم بحثاً سياسياً تاريخياً عن دور المرأة فى المشاركة السياسية فى كل الأدوار المختلفة التى مرت بها:
 من المقاومة المسلحة، إلى الانتفاضات ضد الاحتلال، إلى ما بعد «أوسلو» من تفاوض وانتخابات بلدية وتشريعية، ومحاولات استعادة الوطن بحدده ومنظماته واستكمال دستوره وسلطاته ومجتمعه المدنى.
قدمت نساء فلسطين أول 9 شهيدات فى معركة البراق سنة 1929، احتجاجاً على أنشاء أول مستوطنه يهودية.
 وظلت المرأة الفلسطينية شريكا فاعلاً مع منظمة التحرير. وتحركت من الكفاح المسلح إلى العمل السياسى والمدنى. وفى عام 1978 نشأت أول حركة نسائية فى الريف، وفى عام 1990 مع مفاوضات مدريد واتفاق غزة- أريحا عقد فى القدس مؤتمر ضم كل أطياف الجمعيات النسائية لتحديد دور المرأة فى المراحل الجديدة من تاريخ الوطن إلى أن وصلنا إلى انتفاضة الأقصى، حيث واجهت المرأة الفلسطينية قوى الاحتلال بصدرها المفتوح، وقدمت فى هذه الانتفاضة 66 شهيدة. أما فى الحرب البشعة على قطاع غزة 2009 فقد ارتفع عدد الشهيدات إلى 103 بنسبة 32.5٪ من إجمالى شهداء هذه الحرب الإجرامية.
يستمر بحث الأستاذة «دنيا الأمل» ليصل بنا إلى الواقع الراهن: تحول أغلب النشاط النسائى إلى العمل الاجتماعى «وتدريجياً اكتفت المؤسسات النسوية بتحقيق مطالب وتوجهات الجهات التمويلية فى تنفيذ برامج ونشاطات بعيدة عن السياسة» وبذلك عزلت المنظمات عن القواعد الجماهيرية التى مازالت، رغم كل الظروف، مشغولة بقضية تحرير الوطن.
 أصبحت الكثيرات فى مواجهة السؤال المر: ما جدوى ما نفعل؟!
ترصد أبحاث الكتاب فى عجالة موجعة أحوال التراجع والتردى الذى حاق ببلاد الثورة الجزائرية العظيمة، فى أعقاب الحكم الإسلامى وسنوات الإرهاب الأسود العشرة التى قضت على كل حقوق المرأة، وتخلفت بشكل غير مسبوق بمستويات التعليم، ومازالت الولاية الثالثة للرئيس الحالى تحاول بطريقتها رتق ما تمزق من مجتمع كان فى الستينيات والسبعينيات واعداً بتقدم وتنمية ومواطنة كريمة.كذلك تدرس البحوث التسعة التى يقدمها الكتاب نموذج مجتمع المغرب تحت السلطة الأبوية لجلالة الملك أمير المؤمنين «الراحل والحالى» لقد كان الجواب الدينى الأبوى هو الرد على المطالب والاحتجاجات. قال الحسن الثانى فى سبتمبر 1992 «الأسرة شىء مقدس عندى، وبصفتى أباً للجميع وأباً لأسرتى الكبيرة لابد أن أحرص على أن يكون بيت كل مغربى فى انسجامه وفى تحابه وتماسكه كبيت واحد من فلذات كبدى» أما محمد السادس فقد قال فى خطاب تشكيل لجنة وضع قانون الأحوال الشخصية الجديد:«لقد آلينا على أنفسنا منذ أن اعتلينا عرش أسلافنا المنعمين أن نواصل النهوض بأوضاع المرأالمغربية».
 إلى أن قال جلالته:
«لا يمكننى بصفتى أميراً للمؤمنين أن أحل ما حرم الله وأحرم ما أحله».
ومازالت المغرب تشكل حالة سياسية فريدة فى تشابك تاريخى اجتماعى أبوى بين الدين والسياسة.
عن ثورة الياسمين فى تونس 14 يناير 2011 يقدم الكتاب وثيقة نادرة على لسان خمس سيدات مشاركات فى الثورة فى منطقة «السكان» وهى تقع فى شمال غرب تونس حوالى 160 كيلو من العاصمة تجاه الحدود مع الجزائر.
السيدة فاطمة «50 سنة موطنة كبيرة فى الحكومة» ظلت طوال أيام الثورة مشاركة بفاعلية فى المظاهرات والاحتجاجات، رغم أن زوجها يعيش فى الخارج، وهى ترعى البيت وثلاث بنات بعد هروب بن على، انطلق فى طول البلاد وعرضها انفلات أمنى ونهب للمتاجر والبيوت، وعاشت هى وبناتها أياماً عصيبة، إلى أن تشكلت من الجيران قوات حماية شعبية، واشتركت مع قوات الجيش، فى فرض بعض الأمن فى المنطقة، تقول السيدة فاطمة: «لقد اكتشفت فى أيام الثورة حقائق أفزعتنى عن بنى وطنى: رأيت بأم عينى أفراداً كانوا يقدمون أنفسهم على أنهم أشراف البلد وأسيادها، ينهبون الأملاك العامة والخاصة فى الليل، ويبدون استغرابهم ممن يفعل ذلك نهاراً»، لقد حضر فى ذهنى الأمهات فى فلسطين والعراق وأفغانستان وكل البلاد التى تعيش باستمرار حالات الاضطراب وعدم الاستقرار، ودعوت الله أن يفرج كربهن.
أما السيدة زينب «42 سنة أم لطفلين» فقد وضعت يدها على فكرة مهمة فى تحليل حالة الانفلات واللامسؤولية التى عاش فيها البلد بعد سقوط النظام.
إن سنوات القمع قد قتلت فى المواطنين الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن، إن الشعب يكون على شاكلة حاكمه، والنظام الجديد مطلوب منه أن يرسى قواعد جديدة لمجتمع مدنى مبنى على احترام الفرد وإشراكه الفعلى فى بناء الوطن.

المرأة العربية من العنف والتهميش إلى المشاركة السياسية. باحثات عربيات.
 مركز الوحدة العربية. بيروت 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 7 يونيو 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق