الأربعاء، 22 أبريل 2015

الحنين طريقتنا للبقاء





«البيت الأولاني» مجموعة قصصية جديدة للكاتبة أمل رضوان تسجل فيها من خلال 22 حكاية حياة أسرة مصرية تخلع ثياب قرن لترتدى ثيابا عصرية لعالم جديد.

لرواية واحدة، طفلة فحبيبة ثم فتاة وسيدة التحول.
ولون الغروب والحنين الممزوج بالأسي.
حفلات الزار، والعزال وصور الموتى التى ترفع من على الجدران لتحل محلها صور جديدة.

 الخادمة المستجلية من الريف
«وهو طقس انتهى نكتب قصة «قص ولزق» نعى نبيل يعلن وفاته وانقراضه».

ترصد القصص تغيرا اجتماعيا وصراعا طبقيا داخل الأسرةبين الأب والأم وصراع آخر بين الريف (الفيوم) والمدينة (القلعة).

تسجل المجموعة فى قصة (الليلة عيد) فى فنية عالية جريمة «ختان» الفتاة ومايحيط بالطقس المتوحش من تحايل أسرى واجتماعي، ومايتركه فى روح الفتاة من جروح:

«شعرت بدوار فظيع غير مصدقة مايحدث لها. لا. لابد أن هناك خطأ ما . لابد أن هذا يحدث لإنسانة أخري. دخل هذا الكابوس إلى بيتهم عن طريق الخطأ».

دبرت هذا الطقس الجريمة زوجة البواب وخدعت الفتاة بالملابس الجديدة بقولها إن اليوم عيد. وآخر سطور القصة تقول:

«هي.. كرهت اللون الأصفر، واللون الأحمر، وسيرة الأعياد. وزوجة البواب.. «هي» كرهت أمها.


عندما عادت راوية الحكايات إلى «البيت الأولاني» لكى تجمع أشياءها اكتشفت أن الباب لم يعد ثقيلا كما كان، وعندما أرادت أن تغتسل من التراب وجدته أصفر مما كان واكتشفت شعرات بيضاء فى الرأس والجسد.
كانت الحقيبة لونها أحمر، ولم يعد كذلك فى الحقيبة كتب شعر وديوان صلاح عبدالصبور، وبيت شعرى تحته خط بالقلم الرصاص يقول:
الناس فى بلادى جارحون كالصقور
«.. لم أدخل بيتنا القديم منذ أعوام طويلة سكنته وغادرت، وسكننى ولم يغادر».


بجمع الحكايات التى صدرت عن دار العين 4102» نفس شعرى صادق يرصد الحياة بما يجرى فى عروقها الداخلية من حسية ودماء حارة وشهوات معلنة ومخفية، يرافق نضج البنات وشهوات الكبار وملل الزوجات.


داخل البيوت كخارجها، صور بنفس العين الحساسة اللاقطة: «درب الميضة» المتفرع من شارع شيخون: حارة عجوز ولكنها بصحة جيدة. أرض الحارة مرصوفة بأحجار الزلط الكبيرة اللامعة مهما اتسخت وتغير لونها لاتحتاج الا لرشات سخية من خرطوم المياه المثقوب، فيعيد لها رونقها وتألقها».


أمتازت الحكايات بالسرد البسيط المباشر الذى تجنب الدخول إلى مغامرات التجريب الحديث واستطاعت أمل أن تنفذ إلى روح شخصياتها مذاق المناظر والأماكن التى ترصدها عن طريق يشبه الكلام الحميم بين أصدقاء ولم تتوقف عند ضرورات الشكل والبناء إلا فى حالات نادرة، خاصة عندما تتكلم عن رحلة الحياة والموت فى قصة «النمل الفارسي» و«السقاطه» «وأمنا الغولة». تركيب مشاعر الصبية التى تذهب إلى مدفن والدها، وعناء تسريح شعرها وتضفيره فى ضفيرة واحدة، مع مراقبته ـ وهى معزولة وحيدة وسط طقوس وزحام، لطابور نمل فارسى أسود: يصنع عالما لقصة قصيرة ناضجة البناء. خلاف الحكايات التى تقدم صورة حيه «ملضومه» فى عقد من حبات الخرز الملون.


كذلك قصة «الساقطة» المربوطة فى حبل يفتح به الجد المشرف على الموت باب الدوار القديم الذى يطل على بحر يوسف فى القصة زمن قديم يتحرك فيه الأبطال ـ الأم والابنة ـ القادمتان من القاهرة، والجد الموشك على الرحيل حاملا معه عزا وذوقا ومحبة وحنان فى طريقهم إلى الزوال.


فى «أمنا الغولة» نرصد دون افتعال تحول أشباح ومخاوف الطفولة إلى حماية ويقين واقعي، يدافع عن من خاف منه وضخم حجمه وهو طفل.


فى قصة «قص ولزق» تسجيل راق لألم الصراع الطبقي، ودمعة لاتسقط على فقراء هذا المجتمع الذى يدعى الحنان والاحسان، ولكن عند الضرورة يتحول إلى قسوة باطشة.


قدمت أمل رضوان أغنية عذبة تودع عالما وتستقبل عالما آخر مجهولا.
 كيف سيكون الضوء فيه. وهى تردد فى تصدير مجموعتها كلمات محمود درويش: ربما كان هذا الحنين طريقنا إلى البقاء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر فى الأهرام بتاريخ 22 ابرايل 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق