السبت، 19 أبريل 2014

السيدة تكتب التاريخ

         
                

لم أكن قد سمعت عنها من قبل:
 أليس مونرو «نوبل 2013 فى القصة القصيرة: الأدب، كندية، مواليد 1931». طبعاً التقصير من عندى! العالم قرية، وكل شىء متاح: لها أكثر من 20 عملاً على الشبكة.
 لكن: القصة القصيرة!
 ألم يتراجع الاهتمام بها بعد اختفاء العمالقة وكتابة الرواية الحديثة مختلفة الأشكال: القصص تنشر فقط فى المجلات وضاعت سمعتها شكلاً ومضموناً فى السنوات الأخيرة
«الأسباب أظنها فى الأغلب تسويقية». 
ثم من كندا؟!
 أليست: بعيدة وهادئة: ماذا يحدث هناك سوى أن كثيراً من المصريين وغيرهم يرحلون إلى هناك بحثاً عن عيش آمن وبعض الرفاهية؟!

ما إن اقتربت من عالم أليس مونرو «السيدة الـ19 التى تحصل على نوبل فى الأدب مقابل 109 رجال، وأول كندية» حتى عرفت كم أنا مخطئ. هى قصة كفاح فنى وإنسانى رائع. فى كندا تتصارع كل الأفكار والاتجاهات فى إطار دولة مستقرة رغم التنوع الإثنى والعرقى واللغوى، ورغم اختلاف المدن والريف، وهى تقاوم المغناطيس الأمريكى الضخم المجاور والطاغى بقوته الفكرية والمالية وبقيمه الخاصة المتفردة.

 «أليس مونرو تميل إلى الجنوب الأمريكى، ورغم أنها لا تميل إلى وليم فوكنر أديب الجنوب الأمريكى الكبير، لصعوبته وتقعر لغته: إلا أنها تعشق أدب أيادورا وهى أشهر كاتبة قصة فى الجنوب وبينهما مراسلات أدبية وفنية.

أليس مونرو تعيش أغلب حياتها فى الجنوب الكندى. وعلى الرغم من أنها تقول عن نفسها إنها ليست كائناً سياسياً فإنها أحياناً تسأل: أين الأدب الكندى؟».
لم تحضر أليس مونرو تسليم جائزة نوبل فى أستوكهولم ولكنها أرسلت حواراً مسجلاً أجراه معها إستيفان أوسبرج وترجمه إلى العربية أمير زكى» تحكى فى الحوار حياتها، وعلاقتها بمدينتها الصغيرة «أونتربو» وبالعائلة: الأب مزارع ومربى ثعالب لتجارة فرو «المينك». فقير ولكن الكتب فى كل البيت.

كاتب هاو وشاعر، والأم مدرسة فى مدرسة حكومية:
 «حياة أمى حزينة، وغير عادلة، أصيبت بمرض (بركنسون)، كانت تجد صعوبة فى الكلام.

 حاولت أن تفرض علىّ هى وخالاتى حياة فتاة الكنيسة التى تشتغل بالتطريز والنميمة وشؤون البيت والمطبخ فقط، وقد قاومت هذا بقوة. العائلة من أصول أسكتلندية».

ارتبطت بالقصة القصيرة وأنا فى الخامسة عشرة. وحتى الآن. البداية كانت مع قصة «حورية البحر الصغيرة» لهانس كيرستيان أندرسن. أفزعنى أن الحورية لا تستطيع فى النهاية أن تتزوج الأمير لأن ليس لها أقدام. وأنها لا تستطيع السير، أو النوم فى الفراش. فى خيالى غيرت النهاية، وضعت قصة لها نهاية سعيدة رغم عذاب المشى والسير على الأقدام.

ما إن اكتملت النهاية السعيدة فى ذهنى وتزوج الأمير حوريته الحسناء حتى اعتبرت أننى قد كتبت قصة، وأنها قد نشرت وقت أن اكتملت فى ذهنى.
فى البداية حرصت على النهايات السعيدة: ولكننى اكتشفت أن القصة تكتمل إذا كانت: نابضة بالحياة، مليئة بالمفاجآت والمآسى، ومكسوة بحس الفكاهة.
 الكتابة ممتعة فى المسودة الأولى، ولكنها مرهقة جداً فى المراجعة وإعادة ترتيب الأحداث.
فى حديث ممتع آخر مع مجلة «باريس ريفيو»: تتحدث مونرو عن عشرات المجاميع القصصية التى حملت لها شهرة كبيرة بحيث حصلت فى كندا لثلاث مرات على جائزة الحاكم التى تعادل جائزة البوليزير فى أمريكا، ولكنها أبداً لم تفقد إحساسها بأنها هاوية وأنها مبتدأ.

 وأنها تظل دائماً معجبة بالمحرر الذى يراجع القصة
«خاصة فى مجلة نيويوركر» ويقترح عليها تعديلات وحذفا
«من من أصغر الكتاب عندنا يقبل أو يفهم وظيفة المحرر هذه؟!»
 هى تقول إننى أندهش عندما أراه يشعر بعمق ما أقصد قوله، ويقترح على تعديلات لتوضيحه.
 إن الأسكتلندى يقرأ دائماً.

 الخطيئة الكبرى: هى أن تعتبر نفسك ذكياً أو أن تحاول لفت الانتباه!
لقد قمت دائماً بمهام الزوجة والأم فى المدينة الصغيرة.
 كنت أكتب عندما ينام الزوج والبنات ظهراً بعد أن ينتهى يوم العمل والمدرسة، ثم أرجع لإعداد العشاء حتى تحين ساعات الفراغ ليلاً أو فى الصباح المبكر.
 لم أتوقف يوماً واحداً عن الكتابة: الكتابة والمشى ثلاث ساعات على الأقل. المرأة ليست كائناً أقل.
 غريب أن يكتب الرجل بينما مطلوب منه أشياء أخرى كثيرة. لسنا فى حاجة إلى وحى.
 القصص حولنا فى كل مكان.
إن ما يحدث فى القصة القصيرة ليس شيئاً صغيراً. القصة المكتوبة باهتمام وإتقان يمكن أن تنقل لك كل العالم.
 إن ما يحدث فى المطبخ والفناء الخلفى فى المدينة الصغيرة لا يقل أهمية عما يحدث فى القصر أو فى ساحة المعركة كلها أشياء تشكل جزءاً أصيلاً من مسيرة التاريخ الكبيرة.
 القصة يجب أن تمتع القارئ.

 أن تجعل منه شخصاً مختلفاً بعد أن يقرأها.. أما معنى الحياة فهو أمر متروك للخالق وحده.
فى «هذا أنا»- أظن- أختلف عن تشيكوف الذى يحاولون مقارنتى به وغيره ممن يقال عنهم الكتاب العظام.

 أنا خارج هذا التيار بالعمل الشاق اكتسبت خبرة، لا أحب كلمة «النسوية» و«الأدب النسائى» تزوجت مرتين.
 حضرت مضطرة عشرات حفلات توقيع الكتب.
 أجمل ما حدث لى عندما قال أحدهم: أشترى كتابك لأننى مسافر وهو يذكرنى بالوطن.
 فتحت أنا وزوجى الأول مكتبة مازالت قائمة.
 أمضيت فيها أجمل أوقات الحياة مع الكتب وحدى عندما يغلق على الباب.
 أمتع لحظة طبعاً هى إبلاغى بجائزة نوبل فى الثانية والثمانين.
 كان خبراً جعلنى أعيد التفكير فى اعتزال الكتابة والحياة.
 لقد صرت أنسى الأحداث والأسماء أحياناً.
الآن لها أكثر من خمسة كتب مترجمة للعربية.
 الكتاب الذى بين أيدينا من ترجمة الأستاذ أحمد شافعى يشمل أربع قصص مختارة بعناية ومترجمة باهتمام «أحمد شافعى شاعر ومترجم من مواليد 1977، آخر رواياته الخالق: 2013- وترجمة للمختارات من الشعر الأمريكى الأفريقى 2005». أهم قصص أليس مونرو الأربعة قصة: البعد. والقطار.

وإن كان ينقص الكتاب تحديد تاريخ كتابة القصة ومكان نشرها فى المجلة والمجموعة.
اهتمت أليس مونرو بالجنس فى حياة المرأة ولكنها تناولته بشكل مختلف عن غيرها من الكتاب فهى تقول إن الكلمة قد اكتسبت معنى مفزعاً منذ تناول كتاب مثل لورنس له.

 لقد حاولت أن تعيده إلى مكانه الطبيعى فى حياة المرأة، خاصة المرأة العادية المقهورة فى المدن الصغيرة. تقول:
 لقد عوقبت أمى بأن أصيبت بمرض بركنسون لأنها حاولت أن تثبت أنها «خاصة» أو «مميزة».
صدرت مجموعتها الأولى «رقص الظلال السعيدة» 1968.
 من أهم المجموعات: «من تظن نفسك؟» «صديق شبابى» 1990، وآخر مجموعاتها: الحياة العزيزة.
نقطة نظام:
صباح الجمعة وأنا أنهى هذه الكلمات: رحل جبرائيل جارسيا ماركيز.
 أقوى قلم منفرد قاوم ديكتاتوريات أمريكا اللاتينية.
 حاول إطلاق خيال الشعوب وفنونها الحرة فى واقعية سحرية لا تقلد ولا تزيف. سكت صوت البحر الحر!

قصص- أليس مونرو «نوبل 2013» ترجمة أحمد شافعى.
الكتب خان. القاهرة 2014

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 19 ابريل 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق