السبت، 4 مايو 2013

نريد حياة جديدة

                 

   



«إطلاق طاقات الحياة»، هو الكتاب الثالث للدكتور مصطفى حجازى، بعد كتابين «الإنسان المقهور»، ثم «الإنسان المهدور»، رسم فيهما صورة اجتماعية واقتصادية وسياسية لحالة التخلف والركود التى سيطرت لسنوات على واقع الإنسان العربى، كتب الكتاب الثالث بعد أن تحرك الجسد العربى فى ثوراته المتعددة، التى غيرت الأفق وقلبت كثيراً من الحسابات، يقول المفكر المتابع للنبض السياسى بعد الفصل الثانى من الكتاب:
 «بعد أسبوعين فقط على الانتهاء من كتابة هذا الفصل انطلقت ثورة الشباب وتفجرت طاقات الحياة لدى جماهير الشعب العربى فى كل من تونس ومصر..

تجلت طاقات الحياة ولاتزال، بالتضحيات، والتجرؤ على المجابهة وكسر جدار الخوف، وتوفير مقومات الصمود فى الميدان بشكل عبقرى.. شكل دخل التاريخ بمثابة نموذج رائد».

مهما كانت التطورات والأشكال التى يأخذها ألم المخاض أو عسر الميلاد، أو انحرافات الطريق فإن طبيعة الطاقات التى تفجرت قد غيرت إلى غير رجعة طبيعة وجود هذا الشباب وطبيعة إحساسه بدوره وبالأفق الذى يجب أن يعيش فيه.

وعلى الرغم من أن العنوان الفرعى للكتاب هو «قراءات فى علم النفس الإيجابى»، فإن فصول الكتاب تتتابع وكأنها ترسم طريقاً للخروج من حالات الحيرة والتردد التى يقع فيها الشباب الذى شاهد فجر الثورة وآفاق المستقبل والحياة المختلفة، التى عرفوا أنهم قادرون على صناعتها.

«إن علاج المرض، على أهميته، لا يؤدى بالضرورة إلى التغلب عليه، بل إن المطلوب هو كشف الإمكانات الإيجابية والطاقات الحية واستثمارها فى بناء نوعية حياة جديرة بالعيش».

لا يمكن أن نكتفى باستيراد العلوم من بلاد المنشأ، يتعين على علماء النفس وبقية العلوم الإنسانية أن يكونوا مشغولين بقضايا إنساننا وخدمة قضاياه. لذلك فقد كان كتابى: «سيكولوجية الإنسان المقهور»، و«سيكولوجية الإنسان المهدور»، محاولة لتشخيص الأمراض النفسية الجماعية المتولدة عن القهر والهدر، وطول ممارسة التجريم السياسى، والتحريم الدينى، والتأثيم الذى تمارسه العصبيات، التى تتلاقى خلال إخماد طاقات الحياة لديه وشل الاقتدار على القول والفعل، والغرق فى ثقافة من الندب وأنواع من العجز المصنوع، المركب والمتضاعف.

علم النفس الإيجابى، فرع حديث جداً من علوم النفس، يدخل بالكاد فى العقد الثانى من عمره، ولد فى أمريكا على يد العالم «مارتن سليفمان» حوالى 1998 فى جامعة بنسلفانيا.

القراءة التى يقدمها الكتاب قراءة بعين مهتمة بما يحدث فى عالم الربيع العربى، قراءة تصر على الثورة مهما كان المخاض عسيراً..
 إن ترك القضايا الجانبية التى تحاول صرف الطاقة واستنزافها هى أولى الخطوات.

 كما يجب الاعتراف بأن العالم تصنعه الأسئلة وليس الإجابات، وإن الإنسان الذى هو أنت وأنا يملك إلى جوار كل متاعبه وأمراضه قاموساً طويلاً من «الحكمة والمعرفة والشجاعة والحس الإنسانى والعدالة والاعتدال والتنامى»، وأن حياته هى معركة للبناء ضد سلطان القهر والهدر، وهو لا ينتظر حلولاً يقدمها بطل منقذ أو عناية إلهية أو ضربة حظ ونصيب، إنه فى تنقيب مستمر عن طاقة الحياة، عليه أن يعلم «أن الحياة عنيدة وأنها دائماً تنتصر»!

                 ■

إلى جانب اشتراك المؤلف الفاعل فى العمل الفكرى والسياسى الذى انطلق فى منطقتنا بلا رجعة، فإنه يشير فى كتابه هذا إلى عدد من الأعمال، قديمة وجديدة، يجب أن تكون حاضرة فى ذهن كل من يخامره أحياناً شعور اليأس أو التشاؤم، مثلا كتاب «21 سيرة حياة»، تأليف جهدة كامل أبوخليل، وهو كتاب يروى كفاح نساء من اليمن يقاومن الإعاقة والتخلف، ويحققن انتصارات خرافية «بيروت: الجمعية الوطنية لحقوق المعاق فى لبنان»، وكتاب «إرادة بلا هوادة» لمحمد بركات، سيرة ذاتية مهنية، كذلك كتاب الأسير الفلسطينى الشهير: سمير قنطار، دار الساقى بيروت، كما يلفت النظر إلى كتاب مهم قام هو بترجمته للعالم المصرى الكبير مصطفى صفوان الذى يقيم فى باريس منذ سنوات، ويكتب بالفرنسية، أقصد كتاب «الكلام أو الموت»، «المنظمة العربية للترجمة - بيروت 2008».

يشير الدكتور «مصطفى» إلى تجربة رائدة وفريدة من تجارب العمل المدنى التطوعى، تجربة «مؤسسة عامل» للدكتور كامل مهنا، حيث قام هو ومجموعة عمل رائدة فريدة بالإشراف على عودة المهجرين من جنوب لبنان إلى قراهم بعد الاجتياح الإسرائيلى، وقدموا نموذجاً رائعاً للعمل الصحى والاجتماعى والاقتصادى.

الكتاب عامر بالدروس النفسية والاجتماعية، وكأنه فى صدق كلماته وحرارة إحساسه بواقعنا المتغير مكتوب اليوم والآن وللغد وللمستقبل.

يحدثنا قرب النهاية عن المفكر والرئيس والزعيم السياسى الراحل فاتسلاف هافل، فيقول: قيادة الأمة دون أن تبعث فيها (الأمل) ليست قيادة..

 الأمل ليس هو مجرد الفرح أو الوهم بأن الأمور تسير سيراً حسناً..
لكن (الأمل) هو اجتماع الأمة حول (قضية) ذات معنى إنسانى.. والعمل معاً من أجل تحقيقها.. قائداً وجماهير».
«إطلاق طاقات الحياة» - مصطفى حجازى - التنوير 2012
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في جريدة المصري اليوم بتاريخ 4 مايو 2013



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق