الأحد، 18 يوليو 2010

كنت وحيداً وموت عبد الناصر زاد وحدتي













في جو يعبق بروائح زهر الليمون وأيضا بالدفء، ما بين مكتب مكتظ بالكتب ومكتبة تضم روائع الأدب العربي والعالمي، وكرسيه الهزاز المفضل الذي يتوسط الحجرة، استقبلني الروائي علاء الديب بابتسامته التي توحي لك بأنه يعرفك منذ سنين طويلة، وبرغم المرض الذي أنهكه والذي اضطره مؤخرا لإجراء عملية قلب مفتوح فإنه لا يزال قادرا على العطاء .


يعترف الديب بأن جميع شخصيات أعماله تحمل شيئا منه من قمر على المستنقع وعيون البنفسج وأطفال بلا دموع إلى أيام وردية .


علاء الديب أصدر مقالاته التي ظل يكتبها لسنوات في مجلة صباح الخير تحت عنوان عصير الكتب وها هو معنا في الحوار:

في مقالاتك عصير الكتب هل توقعت أن يتحقق تنبؤك بظهور مثل هذه المواهب التي كانت في بدايتها في ذلك الوقت الذي كتبت فيه عنها؟

- المسألة ليست تنبؤا بالنجاح وإنما المعرفة بحدود هؤلاء الكتاب وحجم قدراتهم، وتعريف القارئ بهذه الحدود، وأيضا هم كتّاب أحببت كتابتهم وتقديمهم للقارئ، وعصير الكتب لم يكن بابا نقديا بقدر ما كان عرضا للكتب وهو نوع من المقالات معروف في البلدان الأوروبية كثيرا، ومنذ 50 عاما في مصر لم يكن هذا الباب موجوداً في الصحافة المصرية، كما أن هناك في الغرب مجلات متخصصة لمساعدة القارئ على الاختيار السليم، وكنت أقوم بالاختيار نيابة عن القارئ وأقدم له كاتبا مع عرض أو تلخيص أو تقديم لأهم كتبه والشرط الأساسي أن أحب الكتاب وأقتنع به .


وماذا عن روايتك الجديدة صيد الملائكة؟

- صيد الملائكة بدأتها منذ عام 2003 وهي حبيسة الأدراج إلى الآن ومسوداتها وأوراقها مازالت تنتفخ، وليس معنى ذلك أنها ستكون عملا ضخما لأنني أزعم أنني متخصص في الرواية القصيرة، وأتمنى أن أراها في شكلها الأخير، لكن هناك جوانب شخصية كالمرض والإحباط العام مما يحدث الحياة الاجتماعية تعمل على جعل صوت النغمة المتشائمة في حياتي عاليا وربما هذا ما جعلني مترددا في إنهائها إلى الآن حتى لا تكون أشد قتامة من أعمالي الأخرى، وكأني أريد أن أضع في آخر النفق بعضاً من النور والأمل .


أبطال رواياتك حياتهم عبارة عن بؤس منذ بدايتها وحتى نهايتها . . فهل ترى أن الحياة ما هي إلا بؤس كبير يحياه الإنسان؟ ألا يوجد طريق أو سبيل للإفلات من هذا البؤس؟

- في أعمالي أعبر عن الطبقة المتوسطة بكل شرائحها والتي كانت تمر بأزمة حقيقية بسبب آمالها وأحلامها التي أحبطت بعد نكسة ،1967 وأيضا انهيار حلم الاشتراكية الذي كان جزءاً أساسياً من حياتها كلها وطريقة تفكيرها، وما أصاب الاشتراكية سواء بالداخل أو على المستوى العالمي وضع ما يشبه غمامة سواء على المستوى الشخصي أو العملي عشت فيها ومازلت، كل هذا ترك الطابع البائس ليس على الشخصيات فقط وإنما على الحياة كلها، والعمل الأدبي أو الفني لا يقاس بشخصياته بل بإحكام عمله أو طريقة أدائه، وعندما أذكر العديد من الكتاب الذين استمتعنا بأعمالهم أمثال دستويفسكي، جوركي، أو تشيكوف نجد أن أعمالهم تدور معظم أحداثها تحت ظلال هذه الغمامة الحزينة والبائسة بعض الشيء .


تحدثت كثيراً عن أحمد أمين في رواية أطفال بلا دموع ما مدى تأثيره في حياتك؟

- هناك اثنان أدين لهما بالكثير من الجيل الذي سبقنا أمين الخولي، وأحمد أمين لأنهما استطاعا أن يقدما لنا وسائل وأدوات تفكير سليمة وصحيحة وإنسانية في الوقت ذاته من دون تعصب، وعلمانا المنطق والإسلام والعروبة ومصريتنا، ولم يكونا ضيقي الأفق، وخاصة أحمد أمين وكتاباته عن التاريخ الإسلامي تعتبر من المعالم الأساسية لمن يريد الاطلاع على هذا التراث الإسلامي العظيم .


دائما ما نجد شخصياتك تحاكم نفسها وتدينها ولا تدافع عنها في استسلام واضح؟

- التعميم هنا لا أوافق عليه وإنما محاكمة ومحاسبة الذات ومراقبتها، والتفكير فيها هو بداية الوجود الحقيقي، والإنسان الذي لا يحاسب نفسه ليس له وجود، وهذه هي النقطة الأساسية التي تنطلق منها كل أعمالي .


والنهاية التي اختارها فتحي في رواية القاهرة هل كانت طبيعية ولماذا لم تسر الحياة في شكلها الطبيعي؟

- هذه الرواية كتبت في ظل تأثري ومعرفتي المبكرة بأدب ألبير كامو، ومن تحت ظلاله خرجت هذه الرواية، والنهاية التي اختارها فتحي كانت طبيعية لأنه لا يريد أن يحمل الإنسانية وزر حياة أخرى مشابهة لحياته، وأظن أن هذا هو المعنى الذي يدور حوله النص .


معظم أبطال رواياتك يتركون أنفسهم للحياة والظروف تحركهم كيف تشاء، فهل ظروف الحياة هي التي كسرتهم أم أنهم أشخاص سلبيون منذ البداية؟

- ميزان الطبقة المتوسطة لم يكن ميزانا للشخصيات بقدر ما كان ميزانا كاملا للمجتمع كله والخريطة التي يتحرك خلالها الناس سواء كانت مكاناً، أو تصرفات، أو سلوكاً، ومنذ النكسة أصيب المجتمع المصري بأكمله بحالة تدهور وأظن أن ما نعيشه الآن وما وصلنا إليه دليل على صحة ما تنبأنا به في ذلك الوقت .


ماذا فعلت بك النكسة؟

- كما قلت في كتاب وقفة قبل المنحدر أنها تركتني ميتاً، وما تراه أمامك هو شخص آخر أعاد تكوين نفسه من الأشلاء المتناثرة حتى يستطيع أن يحتمل هذا الوجود ويحاول أن يرى الحياة بشكل مختلف وجديد، وحرب عام 1973 لم تستطع تطبيب هذه الجراح، برغم أنها بطولة للشعب المصري الذي قاوم وعبر وصعد التل الترابي واستشهد، ولكن معنى الهزيمة لم يتغير والحلم العربي هزم أمام إسرائيل، والكلام في السياسة بالنسبة لي كأنه ضرب في الميت لا يفيد وليست له نتيجة .


في كتاب وقفة قبل المنحدر قلت: كنت وحيدا وزاد موت عبدالناصر من وحدتي، ألا ترى أنه برغم النكسة إلا أن معظم جيلكم يكنّ له نوعاً خاصاً من الحب والإعجاب؟

- وقت موت عبدالناصر كنت في الخارج حيث الغربة والوحدة، وعلاقتنا بهذا الرجل لم تكن علاقة مواطنين بزعيم أو رئيس، بل كانت أكثر من ذلك حيث تشبه علاقة الأبوة، لذلك اعتمدنا عليه في صناعة مستقبل للأمة والمنطقة بحالها، فكان يكفينا النظر إلى عينيه لنرى فيهما التحدي والإصرار، وتأثيره كان ساحراً وخارقاً وكبيراً، ولكن الواقع كان يقول بأن هناك شيئا ما خطأ، وتصاعد هذا الخطأ إلى أن حدثت النكسة .


ما الأسباب التي دفعتك إلى إعادة ترجمة كتاب الطاو للمرة الثانية؟

- مازلت أعمل عليه إلى الآن وما دفعني إلى هذا هو الاطلاع من خلال الانترنت على عدد غير محدود من الترجمات الإنجليزية له حيث وصل عدد هذه الترجمات لأكثر من 70 ترجمة، وأيضا وجدت بحثاً حول المفاهيم التي تعرضت لها في البداية أثناء ترجمتي له للمرة الأولى وهذه الترجمة تحتمل إعادة صياغة وتقريب لذهن القارئ، وأيضا وجدت ترجمات عربية كثيرة له، سورية ومصرية، كأنها بحر من الترجمات المختلفة، فأحببت أن أطلع عليها وأعيد ترجمته مرة أخرى .


ما رأيك في مسألة تقسيم الأدباء إلى أجيال؟

- لا أميل إلى هذه المسألة كثيرا وهذا برأيي استسهال ليس أكثر، ومن الأصوب أن يتم تقسيمهم إلى مدارس وتركيبات طبقية واتجاهات وأذواق وأصول مختلفة، وهذا أفضل من التقسيم لأجيال، لأن الأجيال متصلة ببعضها بعضاً ولا تنقطع .

هل تتابع إبداعات الكتاب الجدد؟ وما رأيك فيها؟

- بقدر ما أستطيع، وهناك من يرسل لي كتاباته، وهي مملوءة بالمفاجآت وبعضها عالي المستوى جدا، وأخرى لا تستحق أن تضيع وقتك فيها، فهي مثل الواقع، وهناك من يقول إنهم مغرقون في الذاتية والجنس، وأنا لا أرى ذلك، ولكن المسألة أنه يجب منحهم قدراً أكبر من الحرية لا ليقولوا كلاما بذيئا وإنما ليعيشوا ويطلعوا ويعبروا عن أنفسهم ويمارسوا حياتهم، فيستطيعون التعبير والكتابة عنها، وأيضا يجب منحهم الحرية كي يتعلموا تعليماً حقيقياً، فمستوى التعليم الآن انعكس على كل شيء بالسلب فقد تجد حاصلين على ليسانس أو بكالوريوس ولا يجيدون الكتابة، ومن يدعي أنه لا توجد قضايا لدى الشباب ليناضل من أجلها كجيل الستينات أو السبعينات وغيره أقول له إن القضايا موجودة باستمرار، فالإنسان لديه قضية دائمة فقد تكون قضية علاقته بالكون أو بالآخرين، فكل هذه قضايا موجودة ولا تنتهي، والقضايا الاجتماعية والسياسية تأخذ أشكالاً متعددة في العالم كله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصطفى رياض 
دار الخليج 18 يوليو 2010 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق