السبت، 6 أبريل 2013

خريف مبكر

            
             

استعادة وقائع التاريخ الحى للثورة المصرية أشد إيلاماً من «نكش» الجراح الجديدة: كل شىء قائم وممكن، كل الطرق مفتوحة واردة وخطرة..
 وكل الأفكار فى طور التكوين!
يقول المؤلف الدكتور عماد عبداللطيف، أستاذ البلاغة، جامعة القاهرة، دارس فى القاهرة ولانكستر الإنجليزية، مؤلف كتب:
لماذا يصفق المصريون - استراتيجية الإقناع فى الخطاب السياسى - البلاغة والتواصل عبر الثقافات.


 يقول عماد عبداللطيف:
 رغم أن المعاصرة حجاب، وأننا لا نستطيع فى زماننا وموقعنا هذا أن نرى ونفهم كل شىء، فإننا نمسك فى أيدينا عدداً من الحقائق وفى عقولنا بعضا من يقين، يقول، ونقول معه: الثورة تصنعها الميادين، أما شاشات التليفزيون، فهى تستعمل لكى تقاوم الثورة، وتبعث فى أوصالها الوهن..

 أما من يجنى ثمارها فهم محترفو الصناديق.
للبلاغة فى الكتاب ثلاثة خطابات:
يقول المناضل الثائر:
 أعطونى ميداناً فسيحاً، وبضعة آلاف من المحتجين الحالمين، ووعياً نقدياً، أعطكم ثورة.

أما الحاكم، فهو يقول:
 أعدوا شاشة التليفزيون، ومعسول الكلام، ومنصة إلقاء الخطب: فها أنا ذا قادم لأغرس فى قلوب الشعب الوهن.
وأخيراً يأتى محترف الصناديق ليقول: امنحونى أصواتكم، جعبتى ملأى بالوعود، وإن لم يكن الصوت لى، فليكن للرب الذى ائتمننى - وحدى - عليه!
هذه صورة تخطيطية لمسار الكتاب، ولمسار أيام الثورة التى مازالت حية تتكون كل يوم.

                 ■

عندما أطلق لفظ الربيع العربى، كنا نستدعى معنى الربيع الأوروبى..
 ربيع براغ.. ربيع بودابست.

 عندنا الربيع متقلب رياح خماسين وتراب، ربيعنا غريب لا أمان له!
ولأن المنتصر هو الذى يفرض التسمية فإنه بعد سقوط رأس النظام استقرت تسمية الثورة بدلاً من «أحداث، وفتنة، وانتفاضة» التى حاول النظام السابق الإبقاء عليها. ويورد الكتاب هنا محاولة طيبة لتعريف دلالة الكلمة البراقة النبيلة كلمة الثورة، فيقول هى:
 «1» السعى نحو إحداث تغيير جذرى. «2» هى عفوية.
 «3» هى تنطلق من أرضية شعبية.
  «4» هى استجابة لطموحات إنسانية واجتماعية واقتصادية وسياسية مشروعة.

أما نجاح الثورة، فهو لا يقاس بتغيير شخصيات النظام، وإنما بالقدرة على تغيير وعى الجماهير، ليصبح أكثر نقدية وعقلانية، فبدون هذا الوعى سيأتى إثر كل قيصر مخلوع، قيصر جديد.

                 ■

لا شىء يهدم دولة الثورة قدر خلط الدين بالسياسة.

 وقد وضعت هذه البذور مبكراً منذ أن نصَّب السادات نفسه ربا للعائلة، وقرر قانون العيب وفصّل الدستور الجديد وأفسح طريق السلام المزعوم، والتبعية الكاملة والخصخصة والانفتاح، وأضاف مبارك فساد المال السياسى وديكورات التنمية، وتوريث الحكم للابن والأتباع. ضعفت النخب السياسية والثقافية منذ تحالفات السلطة مع الإسلام السياسى.

كانت الثورة المصرية رفضاً لكل هذا الطريق. الملايين فى الميادين كانت تعطى الشباب حرية صناعة الطريق نحو «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية» ولكن الأخطاء تراكمت منذ ترك الميدان إلى غزوة الصناديق والاستفتاء إلى المذابح، وأزمات الأمن والاقتصاد، وملف «الفلول» و«الفئات» والانتخابات التى تؤدى إلى انتخابات، والأوهام التى تفتح دائماً على الصندوق!!
جلست جماعة الإخوان على كراسى الحكم باسم الثورة، ولكنها استعملت الخطاب الدينى الصريح والمستتر. وبدلاً من «الإسلام هو الحل» كانت الذراع السياسية تحمل اسم «الحرية والعدالة». 

ولكن الآن وبعد أن وصل من وصل ما المانع من أن يقرر مجلس الشورى الذى جاء عبر الصندوق أن «الإسلام هو الحل» ليس شعاراً دينياً، وتشهد على ذلك أحكام القضاء.
لماذا لا يحكم الإخوان باسم الإخوان؟ لماذا نتذرع بالثورة وقد وصل من وصل عبر الصندوق؟!
كم من جرائم ترتكب باسمك أيها الصندوق!

                ■

يتابع الكتاب فى فصوله الأخيرة طوفان الانتخابات الذى أغرق البلد والثورة.

 ولا أدرى - حقاً - هل كانت أعراساً للديمقراطية، أم أنها كانت «خارطة طريق» تلك الكلمة المشبوهة التى أضاعت فلسطين؟!
تقول الأساطير إن أول ما يفعله الحاكم الجديد هو أن يغير الأسماء - أسماء الشوارع والمدن والمشاريع القديمة، وإن الإعلام دبة قتلت صاحبها.

 اختفت من الصورة أشياء كثيرة نبيلة. شعارات حقيقية تحمل نبض الناس، ووجوه صادقة «البرادعى، حمدين، خالد على»، وأغرقتنا الميليشيات الإلكترونية، واستطلاعات الرأى، تحت قوة الخطاب الدينى وجرائم الكلام فى متاهات تشبه المتاهة التى يختم بها المؤلف بحثه فيقول:
«فى سفر التكوين، بعد أن نجا أهل الأرض من الطوفان كانوا يتكلمون لغة واحدة، ويجمعهم حلم واحد.

 وقبل أن يتحقق حلمهم اختلفت لغتهم، وتباينت خطاباتهم، وبدلاً من أن يبنوا برجاً تبلغ قمته السماء، تخاصموا وتصارعوا..
 فلم يبق من برجهم أثر ولا من مدينتهم إلا الركام»!

                 ■

تكلم المؤلف دائماً فى حياد الباحث:
 «ودفاع الباحث عن قيم العدل والحرية لا ينقص من حياده، وتفنيده للخطاب الباطل لا يقلل من موضوعيته، إننا مقدمون على خريف مبكر».

الكتاب: بلاغة الحرية
«معارك الخطاب السياسى فى زمن الثورة»
المؤلف: عماد عبداللطيف
الناشر: دار التنوير: 2012
بيروت - القاهرة - تونس

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في جريدة المصري اليوم بتاريخ 6 ابريل 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق