السبت، 13 أبريل 2013

عن القهر.. والكرامة

                                                                                                                         



       

      
يشق علاء الأسوانى طريقه نحو بلاغة بسيطة ناصعة باقتدار واضح.

روايته الجديدة «نادى السيارات» إضافة كبيرة لعملية الكشف والتشريح التى يقوم بها لسبيكة مجتمعنا المصرى الفريدة والمعقدة. 
الأدب بالنسبة له وسيلة للتعبير عن حبه واهتمامه بالناس الذين يراقبهم بذكاء من حوله.

 فى مقالاته السياسية الغزيرة يثير ما يشاء من قضايا «الآن». ويبنى أفكاره كلها لكى تصب فى دعوته العالية المخلصة: للديمقراطية.

بالنسبة للرواية فإنه يهتم أولاً بإحكام البناء: العمارة، والإنشاء والأساس، والشخصيات، وتفاصيل العلاقة بين البشر والمكان، البشر والظرف الاجتماعى.. البشر والبشر.

فى عمله هذا الثالث المهم «نادى السيارات» تجارب خارجية فى المدخل وفى التنفيذ، ولكنه يعود سريعاً إلى الخط المستقيم الذى يربط القارئ به فى متابعة أخاذه، يحبس المتابع أنفاسه، والأحداث تتصاعد والشخصيات تنشابك، خالقة لبشر أحياء، تحبهم وتغضب منهم، وأماكن واضحة ورائحة زمن قديم.

يقول الأسوانى: إن الرواية الجيدة المحكمة يمكن أن تجعل أى موضوع، موضوعاً مهماً ومثيراً كما يقول «إننا لا نؤلف الروايات أو نخترعها، بل نحن نكتشفها فى داخلنا، وما علينا إلا أن نركز جيداً لكى نكتبها».

مشاكل «الآن» ليست الموضوع الأمثل للروايات فإن «ديستوفسكى» وعالمه أهم من قضايا «طالبان» التى تجدها فى الجرائد وعلى شبكة الإنترنت. كتابة الرواية عنده هى فعل مقاومة للخوف من العالم: بخلق عالم مواز ومحاولة فهم تعقيداته وتشابكه والتعامل معه.

لذلك فإذا كنت خائفاً فلا تكتب، وإذا كتبت فلا تخف. بهذا الموقف حطمت روايته الأولى «يعقوبيان 2002» والثانية شيكاغو «2007» كثيراً من المحاذير، وكذلك حطمت كل أرقام التوزيع فى الداخل وفى الترجمات غير المسبوقة بالنسبة للأدب العربى.

                    ■ ■ 

ما هو عالم رواية «نادى السيارات»؟
 لن أحاول هنا تقديم عرض أو تلخيص: لهذا العمل الكبير «أكثر من 600 صفحة» الممتع، الذى كتبه مؤلفه على مدى خمس سنوات، عمل خلالها كل صباح بانتظام، وهى عادة حميدة اكتسبها وحافظ عليها بعد نجاحه الكبير فى اقتداء مستحدث بأستاذ الرواية العربية الخالد نجيب محفوظ،لكننى سوف ألتقط خيطاً واحداً من هذا البناء الضخم:
 خيط الصراع بين القهر.. والكرامة.


نادى السيارات الملكى، مجتمع الطبقة الراقية، ومكان سهر ومتع جلالة الملك وحاشيته «أسس النادى 1924». ليس الملك ولا حاشيته هما موضوعنا. موضوعنا الخدم المصريون الذين يخدمون هذه العصبة الراقية والأجانب الذين يمثلون الاستعمار ومن يلف حولهم. هؤلاء الخدم يرأسهم «الكوو» قاسم محمد قاسم كبير شماشرجية الملك. حكم «الكوو» للخدم يلخص كل شىء.


صورة للبلد للقهر والفقر والكد من أجل لقمة العيش.
 وأنهار الطعام والشراب والبذخ تعبر الخدم لكى تأخذ منهم لا لتعطيهم سوى «البقشيش» الذى يشاركهم «الكوو» فى نصفه غصباً وبالضرب لو لزم الأمر لأن الخدم المصريين لا يعملون إلا.. بالضرب والقهر..

 وهم غالباً غير قادرين على اتخاذ أى «قرار»؟!
أين الكرامة إذن؟!
 الكرامة فى عائلة «الهمامية» العائلة التى هاجرت من الصعيد بعد أزمة مالية، لكى يعمل رب العائلة «عبدالعزيز» مساعداً لأمين مخزن النادى، وهو اليونانى الطيب الوحيد. ومع ذلك يقع عبدالعزيز فريسة لقهر «الكوو»، وتبقى زوجته وأولاده الثلاثة وابنته فى شارع السد الجوانى بالسيدة زينب مقابلاً لبقعة النور المتوحشة فى نادى السيارات الرواية ترصد حياة ومقاومة وكرامة الزوجة: «لرمز الشامخ للمرأة المصرية»، والأولاد الذين يشق كل منهم طريقاً لكسب العيش بأكبر قدر ممكن من الكرامة بعيداً عن النادى وسطوة «الكوو» وعالم القهر والبقشيش.


الابن البطل «كمال» يدخل بنا عالم السياسة والمقاومة السرية، والابنة صالحة تخوض عذاب الشابة المصرية من أجل حريتها وكرامتها، أما «سعيد» و«محمود» فلكل منهما عالم وطريق يمر معوجاً ومستقيماً لتكتمل سبيكة المجتمع المصرى الفريدة والمعقدة والتى تخصص علاء الأسوانى فى تحليلها وتشريحها بأكبر قدر من الوضوح والصراحة.


علاء الأسوانى «مواليد 26 مايو 1957» اسم معروف ومذكور بفخر واعتزاز فى عالم الأدب فى أوروبا وأمريكا وفى العالم العربى، وهو قيمة إنسانية وفكرية نادرة فى واقعنا الصعب المرتبك قاوم ويقاوم كل أنواع القهر، واحتفظ لنفسه بكرامة الإنسان المصرى، وقرر لنا قيمة كرامة الكاتب، أتركك الآن مع: «نادى السيارات».

نادى السيارات (رواية)
علاء الأسوانى
دار الشروق _ القاهرة 2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في جريدة المصري اليوم بتاريخ 13 ابريل 2013


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق