الأربعاء، 29 أبريل 2015

رحلة إلى زمن آخر





قطع الشاعر الفنان أحمد مرسى رحلة طويلة شاقة فى الشعر والفن بحثا عن معنى الوجود الإنساني.
رحلة فى الكلمات والصور وديكورات المسرح، فى المجلات، والترجمات، والنقد.


بدأت الرحلة فى الإسكندرية خاصة به:
 ولد فيها 1930، وأصدر أول دواوينه «أغانى المحاريب 1949» منها ركب أيضا قطاره الخاص الذى ظل حتى الآن يسافر فيه عبر الزمان والمكان، صامتا، يغزل الصور والكلمات والمعاني.


 فى 1970 أعاد الشاعر السكندرى اليونانى كفافيس إلى العربية فى ترجمة رائدة لديوانه «ثورة الموتي».
فى قاهرة الستينيات اشترك فى عمل ديكورات المسرح الجديد«ألفريد فرج وآخرون».
 كما أشتراك فى اصدار جاليرى 67 والطليعة.
إلى العراق سافر وعاد لكى تبدأ رحلة أخرى إلى أمريكا:
منذ 1974 حتى الآن، يعود كل شتاء إلى مصر ليركب نفس القطار:
قطار لا يحيد عن مساره القديم
عابرا نفس المحطات التي مازال راكبوها فى انتظار قطارلا يجيء
إنه يبحث عن الاسكندرية التى تسكن روحه. ولم يعد يجدها. اسكندرية الحرية والتعدد وآفاق العالم المفتوح:

نعم، فقدت اسكندريتي
متي؟ أو كيفلا أدري
ولكن سوف آتيها شتاء مرة فى العام إن طالت حياتي


أصدر المجلس الأعلى للثقافة منذ سنتين أعمال أحمد مرسى الكاملة فى كتاب ضخم، ثم أصدر الشاعر أخيرا ديوانا صغيرا جميلا عن هيئة الكتاب: الغلاف للفنان: عادل السيوي:
يضم الديوان: 30 قصيدة جديدة للشاعر، وعشر لوحات له.
فى تركيز شديد ووضوح مقطر يحمل هذا الكتاب:
روح أحمد مرسي، ومعنى الشعر والرسم والصمت فى رحلته. 


يقول فى قصيدة «حيرة»:
لم يعد يمتعني
أن أبحث فى لا مكان
عن مكان فقدته
منذ أغرانى انسدال الظلام
بالبحث عن ضوء
يرانى ولا أراه
فقد دربت عيني
ألا ترى من يراني
طالما لا أريد
رؤية وجهي
فى وجوه بدون
أى ملامح

امتدت رحلة نيويورك طويلا، وكتب الشاعر
«صور من ألبوم نيويورك» وقدم ترجمة مهمة للشعر الزنجى الأمريكي.كتب قصائده فى «باص: أتوبيس 103» الذى يحمله يوميا فى المدينة الغريبة القاسية.
 فى قصيدة: «الأحد»: واحدة من أجمل وأطول قصائد الديوان، يقول الفنان الشاعر والرسام فى تصوير فاجع لقسوة المدينة وفراغها الإنساني:
اليوم أجد
البعض ينقب
فى أغوار سلال
قمامة مانهاتن
أيبحث عن إنسان
جاوز عمرا
حد صلاحية الإنسان؟
.. أو يطبع بحامض كاوى صورة تلك المرأة الشمطاء فى شوارع خالية ظهرا من البشر، وهي:
تمسك مقود كلب/مكتئب/ يتثاءب فى ضجر/ وتفعل فى وجل
ما تفعله يوميا: روتين الانصات إلي
خطوات الموت
اليوم أحد/ أجراس كنائس مانهاتن/ لا تقرع/ حتى لو قرعت/ لا يصدر عنها أى رنين/ أى صدي/ .../ أجراس كنائس مانهاتن/ صدئت..!!


طالت الرحلة، وطال الاغتراب بحثا عن ظل مبهم للفن والإنسان.
وعندما حدثت معجزة «التحرير فى القاهرة» كتب الشاعر يقول:
لم أشترك/ بالجسد الواهن في/ معجزة التحرير لكنني. انعتقت/ مثل غيري/من قيود كبلتني/ نصف عمري/ بإغتراب لا حقيقى فى الوطن/ ثم اغتراب واقعى خارج قضبان الوطن.


الاسكندرية فى الشتاء، حيث الشمس والمطر ستظل دوما تنتظر قدوم الشاعر، كما يعود طائر النورس كل عام.
لقد أنجزالشاعر ـ بلا شك نوعا خاصا من تحرير وتجديد الشعر العربى الحديث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 نشرفى الأهرام بتاريخ 29 إبرايل 2015







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق